شرح كتاب الأدب في الدين للإمام الغزالي -10- آداب العالِم

الدرس العاشر من شرح العلامة الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب الأدب في الدين لحجة الإسلام الإمام محمد بن محمد الغزالي، آداب العَالِم.
فجر الأربعاء 5 شوال 1439 هـ.
آداب العَالِم
" لزوم العلم، والعمل بالعلم، ودوام الوقار، ومنع التكبر وترك الدعاء به، والرفق بالمتعلم، والتأني بالمتعجرف، وإصلاح المسألة للبليد، وترك الأنفة من قول لا أدرى، وتكون همته عند السؤال خلاصةٌ من السائل لإخلاص السائل، وترك التكلف، واستماع الحجة والقبول لها وإن كانت من الخصم".
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرِمنا بالنور المبين، وحسن التبيين على لسان عبدهِ الأمين سيدنا محمدٍ حصننا الحصين. اللهم أدم صلواتك على عبدك المجتبى المصطفى سيدنا محمد وتسليماتك في كل حالٍ وحين، وعلى آله المطهّرين وأصحابه الغُرّ الميامين، ومن تبعهم بالصدق واليقين إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين سادات أهل المعرفة والتمكين، وعلى آلهم وصحبهم أجمعين، وعلى ملائكتك المقرّبين، وعلى جميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وذكر الشيخ -عليه رحمة الله- في هذه الفقرة: "آداب العالِم" الذي اتصل بعلم الشريعة المطهّر، أزكى جميع العلوم، الذي يجب أن يحتكم إليه كل علم، والذي لا يُستطاع تحصيل فوائد أي علمٍ آخر إلا على حسب منهاج هذا العلم، وأحكام هذا العلم.
-
وكل علمٍ كائنًا ما كان خرج إما في تحصيله، أو في توصيله، أو في استعماله على مخالفةٍ لهذا العلم الذي جاء من عند الله، فلن تكون النتائج لذلك العلم إلا آفات وشرور وأضرار وفساد على الأمة.
-
وهكذا جميع المعلومات على ظهر الأرض، إن كان في اكتسابها أو توصيلها أو استعمالها مخالفة لهذا العلم فإن أنواع الفساد في الأرض صادرةٌ من ذلك.
وعامّة المشاكل قتلًا وسفك دماءٍ واعتداءً وتلبيسًا ونشرًا للسوء وخداعًا وغشًّا وما إلى ذلك كله لأنه استُعملتِ المعلومات على غير ميزان شريعة ربِّ الأرض والسماوات. فكل علمٍ في الوجود يجب أن يخضعَ لعلم الربِّ المعبود، موجد الوجود، الذي بيّنه على لسانِ زين الوجود ﷺ.
وكلُّ ما رأيت من منافع يحق أن تُعدّ منافع على حقيقةٍ في قصيرٍ أو طويلٍ، في قليلٍ أو كثيرٍ، في أفراد وجماعة فهي من موافقة استعمال أي حركة في الحياة، أو معلومة في الحياة، موافقة استعمالها وصدورها وانطلاقها لهذا العلم الشرعي المصون الذي جاء على لسان الأمين المأمون. فبعض الذين إما عن نظراتٍ سطحية، أوعن خديعةٍ محضة، رأوا أن في بعض أفراد أو مجتمعات الكفار إما طيب معاملة أو حسنها، أو وفاءٍ بعهد وما إلى ذلك، وكل ما ترى من المحاسن إذا صح فهو الموافق لما جاء بهِ جدُّ الحسن. إن كان إنجاز وعدٍ، وإن كان وفاءٍ بعهد، وإن كان صدق قول، وإن كان طيب معاملة، هو الذي جاء به، فما وافقه هو يكون الحسن، وكل ما خالف ما جاء به فهو السوء وهو الشر وهو الضُّر.
ويغيب عن أذهان هؤلاء الذين ربّما صرّحوا بأن أهل الكفر على ظهر الأرض هم الذين جاءوا بالعجائب والخوارق، وهم الذين أعطوا البشرية وما إلى ذلك من هذا الكلام،.. أولًا: هم يتجاهلون تمامًا أنهم مع كونهم مسخرين مقهورين، وتسابقوا في أمرٍ الحقُّ -سبحانه وتعالى- لا ينظر إليه (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) [الزخرف:33].
ثانيًا: واقعهم الذي تحكي به مرجعياتهم ووثائقهم وإعلامهم، في كل يوم وليلة: حوادث القتل، حوادث الاغتصاب، حوادث الاختطاف في بلدانهم المتقدمة، نسبة مرعبة مذهلة في خلال يوم وليلة، موثوق لدى أماكنهم الرسمية، في شُرُطاتهم وفي أماكن سُلُطاتهم. ولديهم من العصابات ما يُعَدُّ فيهِ عصابات الانحراف والشر في المسلمين، تلامذة صغار قدّامهم يتعلمون منهم بعض الأشياء! هذا الواقع الذي يعيشون عليه، إلى واقع تدمير حقيقة الإنسانية والخواء الروحي الذي يعيشون فيه.. فما أدري كيف تُخدع العقول، وكيف يصير المسلم في التصور إلى هذا الحد!
هذا العلم الذي تولّى ربُّ الأرض والسماوات ربُّ العرش العظيم خالق كل شيء، تبيينه في الكتبِ المُنزلة، وكّلف الأنبياء والمرسلين أن يبينوه ويعلموه للناس أشرف العلوم على الإطلاق. ويجب أن تحتكم إليه جميع العلوم، وخير كل علمٍ أن يُستعمل على وفقِ هذا العلم.
وهكذا لو علمنا وتعلمنا إحداث هذه الأجهزة للاتصال، وما هو السائر والدائر الآن بين الناس، التواصل الاجتماعي، ووسائل التواصل الاجتماعي، كل الفساد الذي فيها وهو الأكثر، والضر الذي فيها وهو الأكثر من الصلاح، كله مخالف لقواعد هذا العلم الذي جاء به محمد ﷺ. وكل المنافع والفوائد التي فيها، موافقة لما جاء به هذا النبي محمد ﷺ بلا استثناء، تعرف بلا استثناء؟ بلا استثناء... فسبحان الذي علمه ما لم يكن يعلم، وكان فضله عليه عظيمًا، وسبحان الذي أحصى كل شيء عددًا، وأحاط بكل شيء علمًا. (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50]، (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ) [البقرة:140]، (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14].
ومن الكفر أن يتصور أيُّ متصورٍ أن أيَّ مخلوق وأيَّ كائنٍ كان، إبليس أو إنس أو جن صغار أو كبار، يكونوا في أي ذرة من ذرات الوجود، أعلم من الله بشيء - أعوذ بالله! - (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، هو الذي خلقهم وهو الأعلم -جل جلاله وتعالى في علاه- (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ)، بل حقيقة أمرهم كلهم: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216]، أن مهما علمتم فالعلم حادث ومحصور، وقصير وناقص، لكن العلم المحيط عنده وحده، (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ) [البقرة:255]، (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) [الحجر:21]. إذا علمنا ذلك، فإن هذا العلم؛ من تشرّف به وانتمى إليه فله آداب، وإلا كان هذا العلم الشريف الأعلى حجة عليه -والعياذ بالله- لا حجة له.
قال: "آداب العالم لزوم العلم"؛ دوام الاستزادة من العلم. قال الله لسيد العلماء: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114]، فأدب العالم إذا كان أخذ نصيبًا من علم الشريعة -خصوصًا من تفرّغ لذلك- أن يكون في ليلهِ ونهارهِ ملازمًا للعلم؛
-
ملازمًا للبحث عنه
-
والتفكر فيه
-
والتحقيق فيه
-
والاتساع في فهمه وفهم معانيه ومدلولاته
وهكذا كان يقول شيخنا الحبيب عبد القادر، إذا جئنا إلى عند شيخنا الحبيب محمد بن هادي السقاف: السلام عليكم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بخير إن شاء الله؟ أين وصلتم في الدروس؟ أي باب تقرؤونه؟ أي مسألة؟ والكلام كله علم… لا يخالط كلامه شيء آخر سوى العلم، من أول ما تجلس وهو يسألك عن العلم، وأي المسائل التي في الباب الذي أنتم فيه ووصلتوا إلى أين؟ وفي هذا الباب مسائل مثل كذا وكذا وماذا قال لكم الشيخ في كذا؟ وكلامه كله هكذا.
وفرح هو بنفسه هذا العالم العارف الحبيب محمد بن هادي السقاف.. طرأت له حاجة ليلة، مشى من بيته إلى بيت في طرف البلد، فوجد عوام أهل البلد يجتمعون عند أبواب البيوت كل جيران مع بعض، فوجدهم يتناقشون في مسائل علم كانت تُقرأ في مدرس الصباح، وإذا بهم يقولوا اليوم قالوا في المدرس كذا، والمسألة الفلانية، وجد الحلقة الثانية نفس الشيء، فالثالثة نفس الشيء، لأن البث الذي كان عندهم كله رحماني نوراني، لا أحد يبث لهم شيء ملخبط، فكان العوام هم بالليل السمرة حقهم نقاش في العلم، يتناقشون في العلم ثم كلٌّ يذهب إلى داره وينام؛ هذه جلساتهم وسمراتهم.
ولذلك قيّدوا من علوم الشرع ما كان هامل، فما لهم همّ إلا في اكتساب المسائل وفي تحريرها وما إلى ذلك. وخلفهم بعد ذلك من خلفهم.
يقول: "لزوم العلم"، (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا)، وقال ﷺ: "فإذا ظنّ أنه قد عَلِم فقد جَهِل". قالوا: سيدنا أحمد بن حنبل حامل المحبرة وهو شايب كبير، جاوز السبعين، حامل المحبرة حتى يكتب فوائد العلم. قالوا: يا إمام إلى متى مع المحبرة؟ قال: مع المحبرة إلى المقبرة، يعني إلى أن أموت -رضي الله تعالى عنه- إمام عظيم من خواص أئِمة أهل السنة. ولمّا رأى دقائق المعاني عند الإمام الشافعي عكف عليه، وأخذ يتلقى عنه. ولمّا عاب عليه بعضهم وقالوا: أتترك الأسانيد العالية وتجلس عند هذا الفتى لازال سنّه صغير الإمام الشافعي، والإمام أحمد أصغر منه، فقال لهم: أن الحديث سأُدركه بعلوٍّ أو بنزول في السند، ولكن عقل هذا الفتى من أين آتي به؟ يفتح مُغلقات معاني الوحي المنزّل وكلام الله، من أين آتي بالعقل هذا؟ فهذا أولى بالاغتنام، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى. ومع ذلك لازموا العلم وكان ليلهم ما بين عبادة وعلم، وأخذ النصيب من التزوّد بالعبادة والعلم ومن النوم وغيره فمُقسَّمة لياليهم وأيامهم.
"لزوم العلم"، حتى كان يقول بعض الفقهاء: أن طالب العلم أو الفقيه الذي مرّ على مطالعته للمسألة ثلاثة أيام لا يستعجل بالفتوى فيها، ويتوقف، يرجع، ويناقش، ربما خانته الذاكرة، لابد من لزوم العلم.
هذه آداب العالم، وإذا رأيت عالِم يرى نفسه قد انتهى ولا يحتاج إلى مراجعة… وكنا نشهد كبار علمائنا يحضرون بعض المدارس العلمية حاملين محافظهم بداخلها الكراسات من الكتاب الذي يُقرأ في مدرس الشيخ علي أو في مدرس الرباط وغيره، وهم شُياب وكبار وعلماء، يحمل الواحد منهم محفظته ويمشي ليحضر المدرس ومحفظته معه، وهذا طالب علم لازال صغير في السن يأتي لا محبرة ولا كتاب معه ولا محفظة، كيف الطلب؟ كيف الأخذ؟ كيف العزيمة؟!
"لزوم العلم"، وإذا خرج من الدرس ما يتذاكر مسائل العلم، للتو كلام آخر ما عاد هو حول العلم، عاده إلا خرج من المدرَس، خرج من الحلقة، لازال يمشي في الممر، وقد هو كلام ما هو من العلم، ذهب، إلى أين هذه القفزة؟!
"لزوم العلم".
من حاز العلم فذاكره *** صلحت دنياه وآخرته
فـأدِم للعلم مـــذاكرةً *** فحياة العلم مذاكرتــه
وهكذا، كانوا يقرؤون الدرس قبل القراءة على الشيخ خمسة وعشرين مرة، بعد القراءة على الشيخ خمسة وعشرين مرة، يطالعونه و يراجعونه! قالوا: وكان يقول الحبيب عبد الله الشاطري في الرباط، يقول: من لم يطالع درسه قبل أن يقرأه عندي عشرين مرة لا يقرأه عندي، ممنوع يقرأ. وكان بعض الحلقات سواء في الرباط أو لو كان في الحرم الشريف وفي غيرها من الأماكن، يتوقفون حلقة في بعض الليالي، لماذا؟ قال: الشيخ ما طالع ،الشيخ ما طالع فوقف الحلقة، حتى لا يضيّع وقت على الطلاب، وحتى لا يعطيهم الحصة إلا على قوة تمكُّن، فهم ملازمين للعلم، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
"لزوم العلم، والعمل بالعلم" هذا أدب العالم.
واجعل العلم مقتدانا بحكم الذوق *** ………………………….
ولما كان يعلم فضل الرواتب ولا يصلي الرواتب، ويعلم فضل الضحى ولا يصلي الضحى، ويعلم فضل الجماعة ولا يحرص على الجماعة، قال الحبيب عبدالقادر: ما عنده ذوق، ما معه ذوق!
واجعل العلم مقتدانا بحكم الذوق *** في فهم سِر معنى المعيّة
واجعل العلم مقتدانا؛ للعمل به، لنعمل به، بحكم الذوق؛ في أي المجالات نذوق فهم سر معنى المعيّة، (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد:4] (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ) [المجادلة:7]،
………….. بحكم الذوق *** في فهم سِر معنى المعيّة
أنه معك، فهكذا يكون طالب العلم عامل بالعلم، "ومن عَمِلَ بما عَلِم ورَّثه الله عِلمَ ما لم يعلم".
"لزوم العلم والعمل بالعلم، ودوام الوقار"، فلا يتناسب العلم مع الخروج عن السكينة وعن الوقار، ما يتناسب مع العبث، ما يتناسب مع الصياح، ما يتناسب العلم مع عدم ضبط الحركة، عدم ضبط النظرة. قال سيدنا الشافعي: كنت أصفح الورقة -الكتاب- بين يدي مالك صفحًا رقيقًا لئلّا يُسمعُ وقعها؛ ما تسمع حس الورقة وهو يفتحها، في مجلس العلم عند شيخه الإمام مالك. هكذا كانت قروننا الأولى تطلب العلم، وتأخذ العلم بهذه الصورة؛ فامتلأوا نور، وامتلأوا بسر العلم، وحقيقة العلم.
ويقول الربيعة وكان من تلاميذ الشافعي: ما اجترأتُ أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ هيبةً له. قالوا: كان عندنا تلامذة لأحد العلماء محمد بن علوي صاحب البطيحة هذا من آل شهاب الدين، قالوا: كانوا له طلاب يدرسون عنده، ويتردّدون إلى منزله في كل يوم يذهبون، ما يعرفون كم عدد نوافذ المنزل، لأنهم يدخلون بالهيبة والوقار والأدب، ويقرؤون ويخرجون ما ينظرون الى النوافذ، ما يعرفون كم عدد النوافذ التي في المنزل الذي يقرأون فيه كل يوم. من تلامذته مثل: الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر والحبيب طاهر بن حسين قرأوا عليه وأمثالهم من هؤلاء القوم الكبار.
"دوام الوقار"، ومن ليس لديه سكون ما تنزل عليه السكينة. قال: "ودوام الوقار، ومنع التكبّر"، فلا ينال العلم حقيقته مستحي ولا متكبر. وكل متكبّر بالعلم يُحبَط علمه وعمله. وهو أن يرى له فضلًا على الآخرين، ومنزلةً وقدرًا، ويرى نفسه خيرًا من غيره. امنع هذا التكبر، إن كنت تريد حقيقة العلم، إن كنت تريد نور العلم..
"منع التكبر، وترك الدعاء به"، يعني ما يدعو الناس بالتكبر، ولا يعلم الناس بالتكبر، قالوا لبعض الصالحين: ماذا قلت؟ قال: قلت للناس يا سادتي الصغار يقول سيدي الكبير: كذا كذا، قال: أنا أبلّغ كلام السيد إلى عند سادتي. كان يقول الجد سالم -عليه رحمة الله-: أرى المِنّة لمن يقرأ علي لا لي؛ أرى المنة للطالب الذي يقرأ عليّ، هذا أرى له المنة والفضل علي، ما أرى لي الفضل عليه، هذه مشاهد وأذواق الصادقين.
يقول: "منع التكبر وترك الدعاء به"؛ لا يُعلّم بالكِبر، ولا يدعو الناس بالكبر، ولكن بالذلة والتواضع والخضوع، قال الله لسيد الدعاة والمعلمين: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر:88]، وفي الآية الأخرى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء:215]، اخفض جناحك، -صلوات ربي وسلامه عليه- فكان أعظم الخلق تواضعًا لله. لأن صاحب الكِبر يُصرَف عن حقيقة فهم الآيات: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الأعراف:146]، فمهما جمّع من معلومات حقائقها ما تكون عنده أبدًا، بسبب الكبر.
"والرفق بالمتعلم"، الرفق بالمتعلم، والأمثلة الكبرى في حياة نبيّنا عليه الصلاة والسلام، وفيها قوله: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون"، وفيها قوله: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يتولّى هذا الأمر"، وفيها قوله للذي قام يبول في المسجد وثاروا الصحابة فمنعهم وقال اتركوه، حتى أكمل بوله قال هاتوه، وأتوا بذَنوب من الماء فصُبّوا عليه؛ طهّروا المكان.. وقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيءٍ من هذهِ القاذورات، إنما هي للذكر والصلاة والدعاء، فرح هذا البدوي وقال: اللهم اغفر لي ومحمدًا ولا تغفر معنا لأحد! اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحد.. قال له ﷺ: "لقد حجّرت واسعًا"، رحمة الله واسعة ما تقصر عن أحد. وهكذا قال بعض الصحابة: كما جاء في الصحيح وكان جاء من البادية ورآهم يصلون، لازال يتعلم بعض أداب الإسلام، ولازال مبتدئ - جاء من البادية- دخل يصلي معهم، صادف أن واحد عطس في الصلاة، والعاطس حَمِد الله، قال: الحمد لله، قال: يرحمك الله، خاطبه -والخطاب يبطل الصلاة- فالتفت إليه بعض الصحابة، قال: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما لكم تنظرون إلي؟ وهو وسط الصلاة أشاروا إليه اسكت، سكت وأكمل الصلاة، والنبي يسمع الحديث في الصلاة، بعد ذلك قال: من المتكلم في الصلاة؟ قالوا: هذا يا رسول الله، قال: تعال إلي، قال: جئت إليه فبأبي هو، لقد وجدته خير معلم قال: والله ما قهرني ولا نهرني ولا ضربني ولا شتمني، ولكن قال لي: يا عبد الله إن هذه الصلاة لا تصلح لشيء من كلام الآدميين، إنما هي القرآن ومناجاة الله عز وجل، فتعلّم الرجل وفهم، وهكذا تأنّيهِ ﷺ بالمتعجرفين.
قال: "والرفق بالمتعلم، والتأني بالمتعجرف"، وجاءه بعض الأعراب، سأل فأعطاه شيء، سخط وقال له: ما هذا يا محمد لا جزاك الله عنّا من أهلٍ وعشيرة خيرًا، تعطينا هذا القليل؟! أعطِنا من مال الله لا مالك، فالصحابة رأوا هذا يتكلم فقاموا ومنعهم ﷺ، ثم دعا الرجل إلى البيت وسألهم: هل جاء شيء، فوجد بعض الصدقة جاءت من الذهب وأعطاها إياه، قال: أرضيت يا أخا العرب؟ قال: نعم جزاك الله من أهل وعشيرةٍ خيرًا، وجاء بكلام طيب، قال ﷺ: إنك لما قلت ما قلت آنفًا وجد عليك أصحابي في قلوبهم، فإذا اجتمعوا للصلاة فاحضر وقل هذا الكلام حتى يذهب ما في صدورهم. فلما جاء قال ﷺ: إن هذا أعطيناه أولاً فقال ما سمعتم، ثم إنا زدناه فزعم أنه رضي، أكذلك يا أخا العرب؟ قال: نعم يا رسول الله جزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيرًا. فذهب ما في نفوس الصحابة عليه، فلما ذهب الرجل قال لهم ﷺ: إن مثلي ومثلكم مثل هذا الرجل كمثل رجل كانت له ناقة ندّت عليه، قال: فأقبل الناس يريدون أن يردّوها إليه فزادوها نفورًا قال: فقال لهم: اتركوها، وعمد إلى حشاشة من الأرض فقربها إليها فجاءت، فركب عليها وشدّ عليها رحلهُ، ولو تركتكم وذاك الرجل حين قال ما قال فقتلتموه دخل النار، وأنا بعثني الله لكي أُخرج الناس من النار إلى الجنة، فلو تركتكم وإياه حين قال ما قال فقتلتموه دخل النار، ولكن الآن على حال طيب، لو مات يموت على حال طيب، وقد صفّى صدره عن المصطفى ﷺ.
وجاء أيضًا بعض الذي وفدوا من البادية وبدأ يتعلم في الرباط، جاء يوم إلى عند الحبيب عبد الله الشاطري يقول: يا حبيب هذا فلان خاصمنا ضربنا وقال فيّ كذا، ولطمنا أعطانا لطمة وقال كذا، ولطم وجه الحبيب لطمه! وقال له: قال فيك كذا، أعطاه إياها، فالحبيب عبدالله قال له: ما شاء الله لكن خلاص الآن اقتضيت حقك فيّ، بدل الرجال أخذت حقك، باقي عندك شيء؟ قال: خلاص سامحته؟ قد اللطمة ردّيتها فيّ.. هكذا العلماء وهكذا آدابهم.
قال: "والرفق بالمتعلم، والتأني بالمتعجرف، وإصلاح المسألة للبليد"، بتفهيمه وتبيينه، قال الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر:
تركتُ نحتَ القوافي من معادِنها *** لأن لي مقصدًا أن تفهم البقر
لما سمع قول الشاعر:
عليّ نحت القوافي من معادنها *** وما عليّ إذا لم تفهم البقر
قال:
تركتُ نحت القوافي من معادنها *** لأن لي مقصدًا أن تفهم البقر
حتى البليد أريده أن يفهم، نريد نعلمه. ولهذا تكلموا مع العامة بكلامهم وبلهجتهم، لأجل يبيّنون لهم الأمر ويفهمونهم المسائل.
وهكذا أرسل مرة الإمام عبد الله بن حسين بن طاهر تلميذه الحبيب محمد بن حسين الحبشي قال له: تروح إلى تاربة في جماعة هناك عندهم معلم وما أثر تعليمه فيهم، قال له: اذهب وأصلح أمرهم، قال: مرحبا. وجاء الى عند المعلم وعنده جماعة يرسلون أولادهم يتعلمون، ولكن يقول له: كيف كنت وإياهم؟ قال: ما يسمعون الكلام كل ما قلت لهم كذا، لي مدة أنا وإياهم بعض الأولاد هؤلاء، في الفاتحة أردتهم يحسنونها أرد عليهم وما يطيعون، قال: بس أنا اليوم أنت اصبر عليّ لكي نصل الى تفهيم هؤلاء، سأحضر معك عندهم في الدرس و نصحح لهم الفاتحة اليوم، قال: له أتقدر بشيء جزاك الله خير، لي مدة طويلة أنا ويّاهم ولا قدرت. جاء دخل عندهم وهم مع التلامذة قال: يا شيخ هل ستعلم الأولاد هؤلاء الصلاة عماد الدين؟ قال: نعم نعم قال أهم ما في الصلاة الفاتحة، علمتهم أو ما علمتهم؟ قال: علمتهم، قال: سنرى إن كان علمتهم جيدا أو لا، أنت أوّل واحد اقرأ الفاتحة، سنرى كيف فاتحتك. قال مرحبا: أعوذ بالله من الشيطان.. قال: أحسن القراءة، أقرأ قل أعوذ، قال: يسمعون كلهم والأستاذ جابها صحيحة وكان يرد عليه قال: وهؤلاء يسمعون ..بالله من الشيطان.. بدأوا يصحّحون حقهم الغلط، بسم الله الرحمن الرحيم قال: اقرأ يا شيخ سواء كيف هذا؟ أنت معلم قل: بسم الله الرحمن الرحيم، قرأ ثاني مرة قل: بسم الله قال وهم يسمعون الشيخ يرد على حقهم الأستاذ والشيخ، لما أكمل قال الحمد لله الآن تمام الفاتحة، سنسمع هؤلاء الأولاد: قم انت الأول وقام وقرأ الفاتحة صحّح بعض الشيء وبعضه كسّر فيه، قال: ما شاء الله قريب أحسن منك يا أستاذ هو تلميذ وقريب أحسن منك، ففرح الطالب قال: شوف ما شاء الله فاتحتك طيبة إلا كلمة واحدة هي كذا كذا هذه الكلمة بدلها، وصحح له الكلمة جعله يرددها وكلهم يسمعون، فصحّح الكلمة عند الكل. قال للثاني: هيا قم، قام الثاني بدأ يصحح الفاتحة قال: ما شاء الله حتى الثاني أحسن منك! والشيخ قال: قُل ما تريد المهم يتعلمون، علَّمه، قال له: قرائتك تمام، فقط كلمة، هذه الكلمة تُقرأ كذا، لاتقول: كذا قل: كذا، ردّدها ورائي، جعله يرددها، وكلهم تصححت عندهم، قال: اجلس. قم الثالث، فما وصل بعد كم نفر إلى آخرهم إلا وقد تصحّحت عندهم الفاتحة كلهم، قال: جزاك الله خير يا حبيب لي سنين أنا وإياهم، قال: بالأسلوب هذا بنصحح لهم الصلاة كلها وبنمشي معهم، وهم يصلحوا نفسهم.
ومن أجل صحة صلاة النساء كذلك خيّطوا كذا كذا قميص من أجل الصلاة في ثوب ساتر للعورة، في خلال فترات وهو بهذا الأسلوب يعلم عباد الله ويصبر على خلق الله.
يقول: "والتأني بالمتعجرف، وإصلاح المسألة للبليد، وترك الأنفة من قول لا أدري"، وإذا لم يفهمه المسألة يقول لستُ مستحضر هذه المسألة، نراجعها ونسأل عنها أهل العلم وننظر الجواب بعد، فهذا من أدب العالم.
وقال بعضهم: جلست عند الإمام مالك فقُدم إليه ستة وثلاثين سؤال أجاب عن سؤالين، وقال في أربع وثلاثين: الله أعلم! إمام دار الهجرة سيدنا الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه- فلا يقتحم. ويقول: أجرؤكم على الفُتيا أجرؤكم على النار. فهذا أدب العالم.
"ترك الأنفة من قول لا أدري، وتكون همته عند السؤال خلاصة من السائل لإخلاص السائل"؛ لأجل أن يتوصل إلى بيان الحكم للسائل ولمن يحضر معه،
-
فلا يشتغل بالأمور الجانبية
-
ولا بالملاحظة على نفس السؤال
ولكن على:
-
المحتوى والمراد لبيان المسألة
-
والوصول إلى تصحيح المفاهيم وتوضيح المسائل.
"خلاصةٌ من السائل لإخلاص السائل"؛ لِتُعرف وتُقرَّر ويفهمها السائل.
"وترك التكلف"؛ يعني: ما يسأل هو ولا يُقرَّ أحد على السؤال للتعجيز، ولا لمجرد اللغز وما إلى ذلك. ولكن:
-
لشحذ الأذهان
-
وتوسيع الأفهام
"ترك التكلف" في التعبير، ترك التكلف في توسيع نطاق المسائل حتى تخرج عن استيعاب السامعين ومستواهم. "ترك التكلف"، يقول ﷺ: أنا وصلحاء أمتي بُرآء من التكلف، (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص:86].
"واستماع الحجة والقبول لها، وإن كانت من الخصم"، قال سيدنا الإمام الشافعي: ما ناظرت أحدًا إلا وددت أن يُظهر الله الحق على لسانه؛ أي واحد يناظرني أتمنى من الله يُظهر الحق على لسانه. ويقول: ما ناظرت أحدًا إلا وددتُ أن يكون عليه من الله حفظ ورعاية. وبهذا ظهر، قالوا: ما ناظره أحد إلا أفحمه، غلبه الإمام، لكنه هو ما يريد إلا إيضاح الحق وبيانه للناس؛ فهكذا كان أدبهم.
ويقول الحبيب عبدالقادر-عليه رحمة الله - أنه حضر مرة الإمام عمر بن أحمد بن سميط درس عند السيد عبدالرحمن بن عبيدالله في مسجد طه في سيئون، وجاءت مسألة مرة تناقشوا فيها، لما رجعوا البيت قال له السيد عبدالرحمن: هذه المسألة في المطلب لابن الرفعة بيانها في سقط كلمة لا من عند بعض النسخ وتتابعوا عليها.. قال له: كيف ما كلمتني ونحن في الدرس هناك؟ قال: لا، أنت شيخ الحلقة، في الحلقة الآتية عندما تأتي تنبهّهم أنت وتبيّنها لهم. لما جاء الأسبوع الثاني وقعد في الحلقة، وقال لهم: أرأيتم هذا العالم الكبير عمر بن أحمد بن سميط، في المسألة الفلانية قلنا ليش ما تلاحظ علينا؟ قال: لئلا أرد عليك أمام طلبتك، أنت إمام محلك، وأنت شيخ الحلقة فتجيبها لهم في الأسبوع التالي. شوفوا أدب العلم، شوفوا أدب العلماء، وراح الكلام في بيان هذا الأدب العجيب.. والمسألة كذا وكذا، فهذا عالم كبير شيخ سمع المسألة وسكت ساكت ما كأنه يعرف شيء فيها.
وقال سيدنا عمر بن الخطاب: لما أراد فرض تحديد للصدُقات والمهور، فقامت امرأة تقول: يا أمير المؤمنين إن الله يقول في كتابه: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) [النساء:20]، قال: أصابت امرأة وأخطأ عمر، رجعنا عن القرار، قال: أنا أخطأت وهذا الصواب عند المرأة. قبول الحجة ممّن جاء بها، وكان عمر وقّافًا عند كتاب الله، رضي الله تعالى عنه.
وهمّهم قبول الحق ممّن جاء به لأجل يقربوامن مولاهم الحق، ولأجل يرضوا إلههم الحق -جل جلاله وتعالى في علاه- والحق أحقُّ أن يُتَّبع. فعلى مثل ذلك الحال مضوا عليهم رضوان الله. وكان الإمام الغزالي يقول: إذا علمتم بعالم لا تأخذه عزة بِعِلمه وهو على خضوع وخشوع دلّونا عليه، نقصده ونستسقي به؛ فهذا بركة؛ إشارة إلى أن عامة من يأخذ نصيب من العلم ترتكز به نفسه، ويرى نفسه على غيره -والعياذ بالله- فيفوّت حقائق العلم، وأسرار العلم، ويبقى مع الصورة على مسائل وعلى كلام.
ولما جاء بعضهم عند بعض المرّبين من المعلمين والمشايخ الفضلاء، وهو مريد وعند الشيخ مريدين كثير، ومن جملتهم يأخذون مع العلم تزكية النفوس لأجل رضوان الرب والوصول إليه. فالتلميذ هذا عنده وجهة صادقة وهمة ويقول للشيخ: وظّفني في وظيفة مع طلبي للعلم لتكسر نفسي حتى أخضع وأتواضع لله وأُحصّل حقيقة العلم، واقترح عليك لو بتعطينا تنظيف الحمّامات -محل قضاء الحاجة حق الطلاب- فسيكون هذا أنسب لي. قال: هذا قد سبقك غيرك فيه، وقد الوظيفة ذي خلاص مشغّلة ما فيها في مكان، لكن بنشوف لك وظيفة ثانية ووظفه في وظيفة ثانية. بقي بعد أيام يقول: من هم الذين سبقوني؟ وهم يقوموا بالتنظيف هذا، فيأتي يجدها في الصباح نظيفة كل يوم، في الليل لا يدري من ينظفها. فترقّب ترقّب من بعيد فوجد الشيخ هو الذي يأتي ينظف كل يوم، لا أحد يدري به في الظلام. وترقبه وعرفه. قال: قلت له أعطني ذي الوظيفة قال له: قد هي مشغولة وغيرك قد أخذها، وإذا به وجدته بنفسه يأتي وينظف.
فهمُ القوم الذين هُدُوا *** وبفضلِ الله قد سعِدوا
ولغير الله ما قصدوا *** ومع القرآن في قرنِ
الله يظهر بيننا هذه النماذج، ويكثّر فينا أهل هذه الصفات، وأهل هذه الأخلاق الحميدات، وينشرهم بين الأمة حتى يخرجون من الصور إلى المعاني، ومن الأجسام إلى الأرواح، ويرتقون إلى حقائق العلوم، وحقائق الفهوم، واتباع النبي المعصوم ﷺ، ويبلغنا الله به ما نروم وفوق ما نروم.
وأكملنا رمضان وقالت الست: وأنا سأكمل أيضًا بعد رمضان، قد النصف عدى وبمرور هذا اليوم نكمل ثلثين من أيام الست ويبقى معنا الثلث. الله يطرح لنا البركة، ويكتب لنا القبول، ويمنُّ علينا سبحانه وتعالى بأسرار الصوم وحقيقته، ويجعل بركات رمضان وخيراته دائما معنا، في ظواهرنا وبواطننا وفي معاملتنا لربنا ومع خلقه، وأن يقينا الأسواء، وينظر إلينا والحاضرين والسامعين نظرة يقطرنا بها في قافلة حبيبه الأمين. اللهم ربطًا به لا انحلال له ولا انفكاك، نسلم به في الدنيا والآخرة من كل زيغٍ وهلاك، وانضمنا في سلك خواصّ من اعتقتهم من نيرانك ومن غضبك ومن سخطك ومن عذابك ومن معاصيك ومن الذنوب ومن العيوب. يا خير من يعتق، وأعظم من يجود وينعم ويتفضل، اللهم زدنا من نوالك، وأجزل لنا من إفضالك ما أنت أهله في كل ظاهر وباطن بسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي ﷺ.
05 شوّال 1439