شرح كتاب الأدب في الدين للإمام الغزالي -47- من آداب السلطان مع الرعية إلى آداب الجهاد
الدرس السابع والأربعون من شرح العلامة الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب الأدب في الدين لحجة الإسلام الإمام محمد بن محمد الغزالي، ضمن الدروس الصباحية لأيام الست الأولى من شوال 1446هـ، من آداب السلطان مع الرعية إلى آداب الجهاد
فجر الجمعة 6 شوال 1445هـ.
يتضمن الدرس:
- شئون الصلات والمعاملات
- حقيقة الإمارة والحكم والخلافة في الأمة
- تنبيه عن تمني الإمارة وطلبها
- آداب السلطان مع الرعية: الرفق وترك العنف
- أدب الفكر قبل الأمر
- ترك التكبر مع منع العدوان منهم
- زهد السلف عن الولايات
- التطلع على أمور الحاشية
- دوام الحراسة للرعية
- مواقف السلف مع أخذ نفقة من بيت المال
- آداب الرعية مع السلطان: ترك الاستعانة به
- أدب الهيبة من السلطان
- ترك الكلام عن السلطان إذا غاب
- آداب للقاضي وقصة في الورع
- قصة سيدنا علي مع القاضي
- آداب الشاهد
- آداب الجهاد: أولها صدق النية
- قصة من نوى الجهاد لأكل كبد
- رمي عمير بن الحمام للتمر
- مواقف السلف في شهادتهم في سبيل الله
- قضاء الدين قبل الخروج
- من آداب الأسير: لا يؤمل الفرج من غير الله
آداب السلطان مع الرعية
آداب السلطان مع الرعية
"استعمال الرفق، وترك التعنيف، والفِكر قبل الأمر، وترك التكبّر على الخاصّة مع منع العدوان منهم، والتودّد إلى العامة مع مزج الرهبة لهم، والتطلع على أمور الحاشية، واستعمال المروءة مع أهل العلم، والتوسعة عليهم وعلى الأصحاب والأقارب، والرفق في الجناية، ودوام الحماية."
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرمنا بمنهاجه القويم وصراطه المستقيم، وبيانه على رأس القدوة فيه وسيد أهليهِ عبده المصطفى محمد الرؤوف الرحيم ذي الخُلق العظيم.
اللهم أدم منك عنا الصلوات وأزكى التسليمات في جميع الأوقات والأحوال والحالات على خاتم الرسالات سيدِ أهل الأرض والسماوات، عبدك المجتبى المختار الذي أنزلت عليه الآيات البينات، سيدنا محمد وعلى آله الأطهار معادن الأسرار، وأصحابه الأخيار مصابيح الأنوار، وعلى من والاهم واتبعهم فيك وعلى منهجهم سار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين رفعت لهم المنزلة والمكانة والشأن والمقدار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعدُ،
ففي متابعتنا لهذه الرسالة المعقودة في الآداب، انتهى بنا إلى ذكر: "آداب السلطان مع الرعية"، و "آداب الرعية مع السلطان"، وذلك مما نظّم الحق فيه في منهجه القويم شؤون الصِّلات والمعاملات، ونظام الله الشامل لجميع شؤون الحياة، وما يحتاجه كل مؤمن بُيِّنَ على لسان المصطفى محمد ﷺ، واختلف الناس ومن عهده ﷺ فمن بعدهم في إدراكهم لحقائقها ولدقائقها ولأعماقها وللقيام بحقها على درجات حسب التوفيق والاصطفاء الرباني، نسأل الله أن يُوفّر حظنا من فهمها وعلمها ومن العمل بها وتطبيقها.
فما من معاملة ولا علاقة بين أب وأبناء وبنات، أو أم وأبناء وبنات، أو أبناء وبنات وآباء وأمهات، أو أزواج، أو جيران، أو أرحام، أو رعية مع سلاطين، أو سلاطين مع رعية وأمراء مع رعية، أو أي نوع من أنواع العلاقات في تبايع أو في وكالات أو في غيرها؛ إلا ووضع الحق أُسس الصلاح فيها والاستقامة والمنهج الأقوم الذي يهدي إليه كتابه (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء:9].
ومن ذلك ما يتعلق بشأن الإمارات والسلطات والرَّعايا:
-
وهذا الأمر الذي قال فيه الحق تعالى على لسان عبده موسى وكليمه عليه صلوات الله وعلى نبينا وعلى جميع المرسلين: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].
-
وكذلك قال نبينا ﷺ لما كاتبه مُسَيْلَمة الكذاب وقال: إن الأرض نصفين، نصف لنا ونصف لِبَني هاشم، ولكن بني هاشم قوم يعتدون، فكتب إليه النبي: "إن الأرض لله، يورثها من يشاء والعاقبة للمتقين"، لا لبني هاشم ولا لك ولا لأحد من خلق الله، إلّا يختبر العباد فيها، يطلّع ذا وينزّل ذا، (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [ال عمران:28]، فأمر الرسالة والنبوة ما هو شأن سلطة ولا ملك، هو أكبر من ذلك وأجل وأعلى وأعظم.
والذين عَظُم شأن المُلك والسّلطنة عندهم، أنزلوها غير منزلتها، وأرادوا أن يجعلوها الغاية القصوى أو المراد الأكبر؛ وذلك من ضعف فِقهِهم للوحي وللسنة الغرّاء، وما من نبي من الأنبياء جاء ليكون ملكًا ولا ليكون سلطانًا ولا ليأخذ السلطة من أحد؛ ولكن ليدعو السلاطين والرعايا والصغار والكبار إلى ربهم، (اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ) [النازعات:17-18]، ما هو يسلِّم المُلك لي او اجعلني حاكم أنت وارجع من الرعية، محلّك، فقط أهديك إلى ربك فتخشى، (فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ) [النازعات:18-19]، هذا هو المقصود.
ولذا كان أيضًا كل من أَسلم من الملوك الذين كاتبهم ﷺ من الرؤساء أبقاه في محله، ملكًا على قومه، وأمره يُطبق شرع الله سبحانه وتعالى وأن يقوم به، والذين آمنوا به من البلدان التي مُلُوكها ورؤسائها كفار ما أشار على واحد منهم يُنازعوه في الملك ولا أن يُخرجوه، أبدا، ولكن أمرهم أن يقيموا أمر الله وأن يدعوا مَن استطاعوا من ملِكهم وغير ملِكهم إلى دين الله تبارك وتعالى وإلى منهج الله، فكان هذا منهجه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فنزل الأمر غير منزلته عند كثير ممن يدعي نُصرة الإسلام، ومن غير شك:
-
أنه لا يجوز للمسلمين باختيارهم أن يُولّوا عليهم فاسقًا فضلًا عن كافر باختيارهم.
-
وأما من دون اختيارهم "وإن تأمَّرَ عليكم عبدٌ حبشِيٌّ كأنَّ رأسَهُ زَبيبةٌ" عليكم السمع والطاعة يقول ﷺ: "مَا لَمْ تَرَوا كُفْرًا بَوَاحًّا".
وهكذا، ولما جاء إلى المدينة المنورة وكان قيامه بأمر الرسالة ورؤساء الأنصار كلٌّ على قَبيلته كما هم من قبل، هذا على قبيلة كذا.. وبقوا محلّهم.
وحتى لمّا جاء الرأي لقتل هذا كعب بن الأشرف الذي تطاول وأخذ يُشبّب -تغزَّل بها وذكر محاسنَها- بالنساء ويُجمّع الجموع لقتل رسول الله ﷺ، وجاء الرأي لقتله، فقال لهم ﷺ: "شاوروا سعد بن معاذ"، رسول الله ﷺ قال شاوروه صلوات ربي وسلامه عليه، فما كانت شؤون الإمارة ولا الملك ولا السلطنة شيء من شؤون النبوة ولا الرسالة، الأمر أكبر من ذلك.
سيدنا نوح -عليه السلام- خلال تبليغه لرسالة ربه، وهو أكثر عمره 950 سنة، كان الملك والسلطة بيد غيره، بيد الكفار، ولكن كان هو خليفة الله وهو القائم بأمر الله، وليست الخلافة مجرد إمارة من التأمّرات: هذه المادية، الحسية، والتأمّر على رقاب الناس؛ الخلافة أكبر من ذلك.
وأُمِر كل من آمن بالله -تبارك وتعالى- أن يُحكّم شرع الله ومنهاجه وسنته على نفسه وعلى أهله وعلى أولاده في أموره كلها ولا يَحكم بغير شرع الله، وإن كان صاحب ولاية كبيرة أو صغيرة أو ما لهُ ولاية ولا يملك إلا نفسه مأمور بتطبيق شرع الله وتحكيمه على أعضائه وقلبه ومعاملاته، ومن معه أسرة أُمِر: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيّته"، يقيم أمر الله تبارك وتعالى فيهم.
فهذا هو الأمر، وطواعية وتلقائيًا أتباع الأنبياء والرّسل يُسلمون زمامهم للأنبياء والرسل بمن فيهم ملوكهم، وملوكهم كانوا ما يفعلوا شيئًا إلا يرجعون إلى أنبياءهم وإلى رسلهم بمجرد ما يؤمنوا بهم، لكن ما أحد من الأنبياء قال لملك: تنحّى عن الملك واتركني أنا الملك ولا حَصَل، ولا حَصَل لأحد من الأنبياء والرسل قال للأمير أنت ابعد، واجعلني أنا الأمير؛ لكن الأمير والملك بحكم إسلامه وإيمانه، يتّبع أمر هذا الرسول ويُرجع الأمر إليه، أمر ضروري تلقائي ليست المقصود فيه الإمارة ولا السلطة ولكن نبوّة.
ولذا أنكر سيدنا العباس بن عبد المطلب على أبي سفيان لما رأى الجيوش داخلة إلى مكة قال: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما قال: إنها النبوة، ليس ملك ولا سلطة، ولا سلطان، هذه نبوة، رسالة، أمر، قال: فنعم، إذن. هي أعظم من مسألة ملك، الله أكبر! وهكذا خلفاء الأنبياء.
حتى قال سيدنا الإمام الحسين بن الشيخ أبوبكر بن سالم: لو أن هذه الإمارة الظاهرية والسلطة الحسية، تصلح للدواب، ما ارتضيناها لدابّتنا! الدابة حقنا ما نرضى لها تتولّى هذا.
فكانوا حقيقة هم الملوك بالمعنى والخلفاء عن الرب الأعلى -جل جلاله-، ورفعوا أنفسهم عن الرغبة في هذه الفانيات وعن تبعية المسؤولية من قِبل الحق على مَن تولّوا عليهم؛ وبذلك بيّن النبي ﷺ أنّ حال الأمة أنهم يَقصرون عن فقه هذا الأمر وعظمته وأنهم يسترسلون وراء أنفسهم؛ فيطلبون الإمارة فقال:" إنّكم ستحرصون على الإمارة، وإنّها ستكون ندامة يوم القيامة".
وقال عنها على وجه العموم: "من طلبها وُكِلَ إليها"، أي: تخلّى الله عنه في إعانته ونُصرته. كيف يُصلِّح هذا؟ وإذا رأيت الذين تَولَّوها من المسلمين وغير المسلمين بطَلَب، ماذا عملوا؟ لأنفسهم أو لشعوبهم أو لأُممهم؟ لأن الملك الأعلى تخلَّى عنهم ووكَلَهم إليها. من طلَبها وُكِل إليها. ومن طُلِبَ لها أُعِينَ عليها". تحصُل المعونة لمن يُوَلَّى تحت الحاجة والضغط والإلحاح من الناس ولا يُريدها.
وبهذا الفقه مضى الرعيل الأول حتى يقول سيدنا أبو هريرة لسيدنا عمر بن الخطاب، قد ولَّاه على منطقة ورجع. قال: لا تستعملني بعد اليوم. لماذا؟ قال: إني دخلتها وأنا مُكرَه. دخلتُها بالقوة، ما أحب الإمارة، لكن امتثالا لأمرك. لكني صرت الآن نفسي تميلُ إليها فاحذَر لا تفتِنّي. قال: خلاص ما عاد تُوَلِّيني. ها؟ نفسي الآن صارت مائلة للإمارة فانتبه لا تُوَلِّيني بعد هذه المرة. فهكذا كانوا، وقالوا كل الوُلاة الذين ولَّاهم سيدنا عمر كان بالعَزم، يَعزِم عليهم؛ ما أحد منهم راغب في الولايات. كلما يطلب واحد يُؤمِّر على منطقة يعتذِر. قال: ويحكم! تذهبون بأنفسكم وتضعونها في رقبة عمر؟ عزمت عليك... فكان يعزِم عليهم ويُوَلِّيهم الأماكن، هذا فقه الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- مع أنه في أيام خلافة. خلافة نبويّة صحيحة راشِدة مَشهُود لها، ومع ذلك ما يريدون الإمارة، ما يريدون الولاية.
وهو بنفسه سيدنا عمر يحكي عن فِعل الإيمان فيه بعد أن مدَّ يده إلى يد رسول الله في الإيمان في السنة الخامسة من بعثة نبينا محمد ﷺ، قال: ما تمنّيت الإمارة منذ أسلمت، يعني: من يوم مَدَدتُ يدي له ونظرتُ إلى وجهه وآمنتُ به، خرجت شهوة الإمارة والسلطة من قلبي، إلا ليلة خيبر، ما هو من شأن الإمارة، من شأن الشهادة، "لَأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَه، ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ، فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ: أيُّهُمْ يُعْطَاهَا؟"، فأعطاها لسيدنا علي. قال: في تلك الليلة فقط تمنيت الإمارة سيدنا عمر، وهكذا. وكان يقول: "لأن أُقتَل أحبَّ إلي من أن أتأمَّر على قومٍ فيهم أبو بكر الصديق"، فهذا تفقيه النبي لهم وتربيتَه لهم ﷺ. وانظر كيف صار الأمر بعد ذلك!
ويقول: "آداب السلطان مع الرعية: استعمال الرفق، وترك التعنيف"، وهذا أصل من الأصول وهو الأساس؛ وإنما يكون الحَزم واتّخاذ العنف والقوة مع المُعتدي الظالم الغاصِب المُصِرّ على عُدوانه وظُلمه، ما عدا ذلك جميع الرعايا يحتاجون إلى الرفق.
-
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ مَنْ ولِي من أمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فاشْقُقْ علَيهِ ، ومَنْ ولِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فَرَفَقَ بِهمْ فارْفُقْ بِهِ"، وهذا الذي حصل لكل الذين شَقُّوا على شعوبهم وعلى رعاياهم؛ الذي انقُلِب عليه، والذي حُوكِم، والذي قُتِل، والذي تعذَّب وسُجِن كلهم وأمورهم عدّت في مشقّة وهكذا..
-
يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "ما من أمير ثلاثة" -من هذه الأمة فأكثر- "إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه أطلقه الحق أو أوبقه"؛ فكَّه عدله أو أوبقه جوره.
-
"ما مِنْ عبدٍ يسترْعِيهِ اللهُ رعيَّةً، يموتُ يومَ يموتُ وهوَ غاشٌّ لرعِيَّتِهِ، إلَّا حرّمَ اللهُ عليْهِ الجنَّةَ" -والعياذ بالله تبارك وتعالى- هذه مسؤولية صعبة.
-
وسيدنا عمر كان يقول: لو أن بغلة عثِرَت بالعراق -على شاطئ الفرات- لخَشيت أن يسألني الله عنها لِمَ لمْ أُسَوِّ لها الطريق؟ لهذا قلّ نومُه من حين تَوَلّى، من حين تولَّى الخلافة قلَّ نومه؛ ويقول: إن نمت بالليل ضيعت حقَّ نفسي، وإن نمت بالنهار ضيّعتُ حقَّ رعيَّتي. فصار يكتفي بغَفَوات ما بين ليل ونهار -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-.
قال: "استعمال الرفق، وترك التعنيف، والفِكر قبل الأمر"، يُحسِن النظَر في العواقِب والمَآلات. ويتصرَّف بما يكون أقوَم وأصوَب وأحزَم وأقرَب لاستقرار الناس وطُمأنينتهم وأمنهم، هذه مُهمَّاته.
"وترك التكبّر على الخاصّة مع منع العدوان منهم"، لا يسمح لأحد من أقاربه ولا من المُقرّبين عنده، ووُزرَائه، أن يَظلِم، ويُقيم العدل بين الرعيّة سواءً أقاربه أو وزراؤه وأصحابه وغيرهم من الرعية من أولهم إلى آخرهم كلُّهم سواء في العدل والحق.
"مع منع العدوان منهم، والتودّد إلى العامة مع مزج الرهبة لهم"، حتى إذا كان هذا الذي اُبتِلي بالولاية على المسلمين صاحب تقوى وعدل، وجَب على الرعية أن تُوَقِّره، وأن تُعظِّمه وأن تُعينه. حتى قال: "إنَّ من إجلالِ اللَّهِ إِكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلمِ… وإِكرامَ ذي السُّلطانِ المقسِطِ".
-
القائم بالعدل يجب إجلاله.
-
وورد النهي فيمن يحتقره أو من يستخِفَّ بشأنه؛ لأنه يقوم عليه حفظ الدين في واقع المُعامَلات في الرعية إذا كان من أهل العدل، وهكذا.
انظر إلى هؤلاء الذين زهِدوا في هذه الولايات في وسط البلدة هنا عندنا، عدت عليها سلاطين كثيرون وكان أئمة الطريقة وعلماؤها لا يرضون أن يتولَّوا أي ولاية من الولايات الظاهرة. وإذا طُلِب أحدهم للقضاء وأُلحَّ عليه فيه بكى ودخَلَه مُكرَهًا، وفيهم إلى المُتأخرين، منهم من يدخل القضاء وعنده نصيب من المال، ما عاد يكمل سنوات القضاء حقه وقد افتقر، صار فقير. في أواخرهم بعض شيوخنا الحبيب عبد القادر بن سالم الروش السقاف -عليه رحمة الله- وُلِّيَ القضاء مدة في سيئون. دخل وكان عنده نصيب من المال وفي القضاء يُصلِح بين ذا وذا ويُقرِّب ذا.. وخرج من القضاء.. ما شي معه، فقير. ! هذه نظرتُهم إلى الإمارة وما يدخلونها إلا مُكرَهين.
فعاملهم الحق -تبارك وتعالى- وسخَّر لهم كثيرا من الولاة الأخيار، وكثيرا من الولاة الصالحين يحكمون الشرع ويرجِعون إليهم في أمورهم، وهم لا يتولَّون الولاية؛ حتى لما بلَغَهُ عن السلطان إحداث شيء في البلد رآه مُخالِف للشريعة -من إرادة أخذ ضريبة أو شيء من بعض الناس- وجاء إلى عنده يريد حضور المَدرَس معه في الرباط. فقال: تحدثون في البلد أشياء تخالف الشريعة؟! ولطَمَ السلطان، والسلطان جلس عنده في.. حتى أكمَل المَدرَس وخرج، لما خرج كان المُرافقين له من هؤلاء الجنود، قام واحد منهم قال: حضرة السلطان، ليش هذا الشيخ يتصرّف معك هكذا ويلطمك؟ كان المفروض أن لا يكون هكذا وقف السلطان، قال: أنا سلطان الدنيا وعبد الرحمن المشهور سلطان الدين، ولا خير في سلطان الدنيا إذا لم يخضع لسلطان الدين؛ حقٌّ على سلطان الدنيا أن يخضع لسلطان الدين، وما أظنك إلا شرير! أنت خبيث بيننا! اطردوا هذا من عندي! هذا لا يصلح جندي عندي. هذا.. سيوقِعنا في ورطات وبليّة.. يبغينا يُسقِط من قلوبنا قدرَ الله وقدر أنبيائه وعُلماء شريعتِه.. بحُب السّلطنة هذه ويفتِنَنا بها؟ سلطان بهذه المثابة ولي من أولياء الله. ولكن "كما تكونوا يُوَلَّى عليكم".
قال: "والتطلع على أمور الحاشية"
ولذا كان يأتون إلى الجُمع وغيرها، فإذا جاء فأهل الصدر يُنَفِسون له(يفسحون له) ولا روح ولا تعال وهكذا، وكان يَصِف حَجَته ﷺ بعض الصحابة يقول سيدنا ابن عمر وغيره: "إذا وَجَدَ فَجوة نَصَّ -أي: أسرع بالمشي- وإلا مشى العَنَق -أي: يسير سيرًا متوسطًا ولا يسرع- لا ضَرْبَ -أي: عندَ الزِّحامِ والمُدافعةِ فلا يضرِبُ أحدٌ أمامَه- ولا طَرْدَ -أي: لا يُبْعِدُ أحدٌ مَن عنده- ولا إليكَ إليكَ، -أي: لا يُقالُ: تنَحَّ وابتعِدْ-"، يمشي ﷺ بين الناس صلوات ربي وسلامه عليه.
يقول: "والتطلع على أمور الحاشية".
بالانتباه منهم ولهم والمراقبة لهم، حاشيته حتى لا يستغلوا نفوذه وسلطانه واسمه فَيَظلموا أحد أو يَغِشوا أحد أو...؛ لأنه ما من والي ولا من صاحب أمر ونفوذ إلا وله بطانتان:
-
بطانة تأمره بالخير وتعينه عليه.
-
وبطانة تأمره بالشَّر.
كلهم.
-
فمن أراد الله به خير انتبه إلى بطانة الخير وكان معهم ورَجَح كلامهم ورأيهم.
-
وإن أراد الله به شر راح إلى البطانة الأخرى، بطانة السوء والعياذ بالله تعالى، وكم قَلَّبوا تصوير الأمور والموازين على كثير من الولاة وعليهم الإثم والعياذ بالله تعالى.
قال: "التطلع على أمور الحاشية، واستعمال المروءة مع أهل العلم"، معرفة قدرهم.
"والتوسعة عليهم وعلى الأصحاب والأقارب" ما دام عنده سِعَة.
"والرفق في الجِناية" بإقامة أمر الله -تبارك وتعالى- وحدوده كما شرع، بلا تَعَدي للحد الذي حَدَه -سبحانه وتعالى-.
"ودوام الحماية" والحراسة لِرَعاياه، وحماية دِينهم ونفوسهم ودمائهم وأعراضهم وأموالهم، وإنما جُعِلَ الولاة لحماية ذلك ورعايته وما ترتب من مصالح الدنيا فَتَبَع وهكذا، ولما كان الأمر صعب وشاق على النفس ولا يقوم بالعدل إلا صادق، اعتلى شأن الأمراء المقسطون والعادلون عند الله -تبارك وتعالى-، وكانوا بعظيم المنزلة والمثابة ولكن قليل هُم - الله، لا إله إلا الله-.
وهكذا قام سيدنا عمر بن عبد العزيز ليلة يريد الاغتسال ليلة شاتية وفي الشام بَرد شديد، فَقَرَب له الخادم ماء مُسَخَّن، قال: هذا سُخِّن من مال بيت المال حق المسلمين هذا رَجِّعه، قال له: لو بتغتسل بالماء البارد بتتضرر وبتموت، سيصبح الناس بلا أمير، قال: الصبح ما عاد شي -يكون في- خليفة، كيف؟ قال: ستموت، قال: لا، ما أريد أستعمل من بيت المال، هذا الحطب الذي يُحَمون المياه للناس، فقال: هذا الحطب حق بيت المال وليس من ملكي، فقال له الخادم: بس نجعل ترتيب، ها أيش الترتيب؟ قال: نحسب كم الحطب قيمته الذي بيسخن كمية هذا حقك من الماء ونرده إلى بيت المال، قال: طيب، قَبِل هذا.
وَزَنوا عِنده مِسك حق بيت المال، شال الرداء وحطه في أنفه، -حتى- ما يشم، مالك؟ قال: هذا حق بيت المال، وإنما يُنتَفَع برائحته وشمه، أشمه قبل المسلمين؟! حق المسلمين، ما لي حق فيه، لا إله إلا الله، هؤلاء الخلفاء المُقسِطون العادلون.
من بعد سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي وسيدنا الحسن بن علي، جاء بعده سيدنا عمر بن عبد العزيز، ضربوا المثل كيف يكون الأمراء الوارثون للنبوة الصادقون المخلصون مع الله تبارك وتعالى؟ -الله، لا إله إلا الله-.
يقول لهم سيدنا عمر: كم يَحِق لي أن آخذ من بيت المال من شأن نفقتي ونفقة أهلي؟ قال: استشار الصحابة، كبار الصحابة، قَدِروا لي إيش أقدر آخذ؟ فقال له سيدنا علي: غداء وعشاء وكسوة في الصيف وكسوة في الشتاء، هذا الذي لك ولأهلك، فقال: فهو كذلك لا أزيد عليه، مقدار الغداء والعشاء والكسوة في الصيف وكسوة في الشتاء، كسوتين في السنة، الباقي ما يشيل شيء من بيت المال، -عليه رحمة الله-، مع ذلك فوجئ أنه جاء له بمقدار ستة آلاف درهم، ما هذا؟ قال له: أبو بكر أوصى أن تُرجَع إلى بيت المال، لماذا؟ قال: هذا الذي أنفقه على نفسه وأهله خلال السنتين وستة الأشهر من بيت المال، أوصى أن يُحصى وأن يُرجَع إلى بيت المال، بكى سيدنا عمر، قال: أتعبت من يأتي بعدك يا أبا بكر! أتعبت من يأتي بعدك.
وهكذا، طلبت منه زوجته حلوى، فقال: إن الآن ما عندنا شيء وإذا يَسَر الله شيئا من المال نشتري لكم حلوى، شافته.. ماشي؛ أول شهر؛ ثاني شهر، قَصَرت في النفقة حتى وَفَرَت درهمين ثلاثة، قالت: هذه تشتري لنا بها حلوى، قال: من أين لك؟ قالت: قَصَرتُ النفقة، قال: أوه! وعمر يأخذ زيادة على الحاجة درهمين في كل شهر؟! قال: هذا قَدَرتي اكتفينا من دون هذا؟ إذًا هذا زائد، هيا رُديها إلى بيت المال وتَنقُص النفقة حقنا هذا المقدار من الشهر الآتي، خلاص تنقص؛ لأنه تبين أننا نأخذ زيادة على الحاجة، رضي الله تعالى عنه.
ولما جاءتها هدايا من عند امرأة الهُرمُزان، قال: من أين تَعرِفك هذه؟ لا قريبتك ولا صاحبتك ولا ذاك، لأنك امرأة أمير المؤمنين! أوه! هذا حق بيت المال هذا! هذا اللي أعطتك إياه لبيت المال، ما هو لك، من أين تعرفك؟ إيه من علاقة بينك وبينها؟ لأنك امرأة أمير المؤمنين، هذا حق المسلمين، هاتيه! وحطُّه في بيت المال- عليه رحمة الله تبارك وتعالى ورضوانه-، هذا العجائب في القوم الصادقين المخلصين.
آداب الرعية مع السلطان
آداب الرعية مع السلطان
"قلة الغشيان لبابه، وترك الاستعانة به إلا لشيء يلزم أمره، ودوام الهيبة له وإن كان ذا رفق، وترك الاستجراء عليه وإن كان ذا لين، وقلة السؤال وإن كان مجيبًا، والدعاء له إذا ظهر، وترك الكلام فيه والإنشاد إذا غاب."
يقول: "آداب الرعية مع السلطان: قلة الغشيان لبابه"؛ لا يترددون إليه، ويفتخرون بالمجيء إلى عنده.
"وترك الاستعانة به إلا لشئ يلزم أمره"، كلما استغنوا عنه فذلك أولى، هو طريقة الصالحين، وكانوا يَتَحاشون من قَبول هدايا السلاطين وما ينفقونه عليهم، وإذا اضطروا لأخذ شيء صرفوه في شيء من المصالح العامة وفي شيء من الأمور الضرورية -عليهم رضوان الله-.
"ودوام الهيبة له"، ليقوم بأمر الله -تبارك وتعالى- في الرعية.
"وإن كان ذا رفق" ينبغي أن يحترم وأن يُعرف قدره.
"وترك الاستجراء عليه وإن كان ذا لين"، وإن كان لَيِّن؛ لكن لا بد أن تحترمه لمكان ولايته، رعاية لحق هذه الولاية.
"وقلة السؤال وإن كان مجيبًا، والدعاء له إذا ظهر، وترك الكلام فيه" قال واحد: الحجاج فَعلُهُ وتَركُه، قال له صحابي: إذا كنت أمامه تقول هذا الكلام؟ لو هو موجود عندنا؟ قال: لا، قال: كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول الله، ليش بالكلام؟ معك نصيحة اذهب إلى عنده وانصحه، لماذا تأتي إلى عندنا تتكلم عليه تغتابه؟ كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول الله.
قال: "وترك الكلام فيه والإنشاد إذا غاب".
آداب القاضي
آداب القاضي
"إدمان السكوت، واستعمال الوقار، وهدوء الجوارح، ومنع الحاشية من الفساد والطغيان، والرفق بالأرامل، والاحتياط لليتيم، والتوقف فى الجواب، والرفق بالخصوم، ومنع الميل إلى أحد الخصمين، والموعظة للمخالف، ودوام اللجأ إلى الله في صواب القضاء."
ثم قال للقاضي:
"إدمان السكوت، واستعمال الوقار، وهدوء الجوارح، ومنع الحاشية من الفساد والطغيان، والرفق بالأرامل، والاحتياط لليتيم، والتوقف فى الجواب: -حتى يتبين- والرفق بالخصوم، ومنع الميل إلى أحد الخصمين، والموعظة للمخالف، ودوام اللجأ إلى الله تعالى في -أن يلهمه- صواب القضاء.")
ولما تولى بعض المشايخ عندنا القضاء وجاء ليلة وإذا ما شاء الله أهله يطبخون عشاء باللحم، قال: عجيب! ايش الليلة معكم؟ قالوا: إلا فلان أرسله لك، فلان! فلان ما بدا أهدى لنا شيء من أول الآن لما توليت القضاء؟ هاتوه -وهو محتاج- أهله بلا عشاء وأولاده، قال: لا لا هذا ما بغينا هذا، هذا رشوة ذا، ليش يجيبه الليلة لما توليت القضاء الآن؟ حمله بنفسه في الليل لما رجع من المسجد، منع أهله يأكلون منه وحَمَله على رأسه، وراح يدق على بيت الرجال الذي أرسله، فلان؟ قال: تفضل هذا الذي جبتوه، قال: أنا بغينا هدية، ما بيني وبينك هدايا من قبل الآن، الآن؟ مسامح في الماء والملح الذي مِن عندنا شلوه لك، والباقي وهاتوا ردوا القدر حقنا بنغسله من طعامك هذا، وردوا لنا القدر ومسامح في الماء والملح الذي طبخناه به، شلوه لك، ورجع إلى بيته وهم بلا عشاء، قال لهم: خلاص ما شي الليلة عشاء ليوم ثاني؛ وهكذا، هكذا القضاة الصالحون- لا إله إلا الله-.
يقول: "ودوام اللجأ إلى الله في صواب القضاء"
ودخل سيدنا علي بن أبي طالب عند القاضي شُرَيح يهودي سرق الدرع حق سيدنا علي، هذا اليهودي سرق الدرع، فجاء قال له: إن هذا اليهودي سرق الدرع. قال: يا أمير المؤمنين نسأله هل يُقِر،أنت سرقت؟ قال: لا، فالدرع لي وتحت يدي، قال: اليد له، فهل عندك من شاهد؟ قال له: الحسن والحسين. قال: هؤلاء أبناؤك ولا نقبل شهادة الابن -ما نقبل شهادة الإبن لأبيه- عندك شهود غيرهم؟ قال: ترُد شهادة الحسن والحسين؟ سيدا شباب الجنة! قال: والله.. إنهما لسيدا شباب أهل الجنة؛ ولكن هذه شريعة جدهم، ما نقبل شهادة ابن لأبيه؛ -سيدنا علي يختبر- قال: لا أحد، قال: بس خلاص لك أن يحلف اليهودي أنه له ويأخذ الدرع، قال له:.. تقبل اليمين؟ قال: أقبله، ما لك إلاَّ اليمين، احلف وخذ الدرع لك قال: تحلف. قال: أوه! الشريعة عندكم هكذا والدين؟! أنا كذاب هذا الدرع حق علي أنا سرقته أخذته وهو له؛ ولكن أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأن محمدا رسول الله.
قال سيدنا علي: والدرع لك خلاص خذه هدية لك، وأَسلم.
وهكذا القضاة وهكذا الولاة. أمير المؤمنين يحكم عليه القاضي ومعه شهود الحسن والحسين، قال: نِعمَ الحسن والحسين؛ لكن ما في شهادة للإبن للوالده أبدًا هات غيرهم يشهدون.
قال: والله إني أعلم أنهم من أصدق الخلق، أصدق خلق الله؛ لكن ما يمكن نقبل شهادة الابن لوالده في الخصومة، فتعجب في عظمة الإسلام ودينه، وقال: وهذا القاضي بيحكم على أميرهم أمير المؤمنين في الأرض كلها، فعلِم هذا العدل العجيب.
آداب الشاهد
آداب الشاهد
"استشعار الأمانة، وترك الخيانة، والتثبّت فى الشهادة، والتحفّظ من النسيان، وقلة المجادلة للسلطان."
قال: "آداب الشاهد: استشعار الأمانة، وترك الخيانة، والتثبّت فى الشهادة"، لأنه إذا جاء يشهد فزاد في الشهادة كلمة أو نقص كلمة تؤثر في القضية لم يرفع رجله إلاَّ وهو في سخط الله. ما عاد يرفع رجله من المكان إلاَّ والله ساخط عليه -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، وأما من حلف يمين -والعياذ بالله تعالى- يقتطع بها مال امرئ مسلم لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة -والعياذ بالله تعالى-؛ إذا حلف يمين كذب يأخذ بها مال الغير فهذا الدين.
قال: "والتحفظ من النسيان، وقلة المجادلة للسلطان"، فلأجل حفظ الحقوق إذا انحصر الشهداء وجب عليهم أن يدلوا بالشهادة. (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) [الطلاق:2]، وحتى لا تضيع حقوق الناس، ومن وُجِد شهود غيره فكان ينأى بنفسه، هكذا -الله- ..لا إله إلاَّ الله..
آداب الجهاد
آداب الجهاد
"صدق النية، والغيرة لله تعالى، وبذل المجهود والسخاء بالمهجة، ونفي شهوة الرجوع، والقصد فى أن تكون كلمة الله هي العليا، وترك الغلول، وقضاء ديْنه قبل الخروج، واستصحاب ذكر الله عند القتال وفي كل حال."
"وآداب الجهاد"، أولها: "صدق النية"، ما هو كل من خرج يقاتل كفار معتدين مجرمين مجاهد؛ إلاَّ إن أخلص لله، إن صدقت نيته. "رُبَّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته" يقول ﷺ، قالوا: الرجل يقاتل شجاعة، الرجل يقاتل حمية، الرجل يقاتل ليرى مكانه، الرجل يقاتل للمغنم، الرجل يقاتل لذكره، أيهم في سبيل الله؟ نفاهم كلهم. قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". هذا الذي ما قصده إلاَّ أن تكون كلمة الله هي العليا فقط، ما له غرض ثاني، هؤلاء في سبيل الله، وهنيئًا لهم، وهنيئًا لهم، هذا بالنسبة للمقاتلين.
وأما المقتولين ظلم -والعياذ بالله تعالى- فكلهم لهم حكم الشهادة في الآخرة، لهم حكم الشهادة في الآخرة،
-
فإذا كان على يد كفار، أو فجار كانت شهادتهم أعظم، وأخذ الله تعالى حقهم في الآخرة.
-
ويعجَّل للمعتدين والظالمين في بغيهم وعدوانهم عقوبة في الدنيا وعذاب الآخرة أشدُّ وأشق -والعياذ بالله تعالى-.
"والغيرة لله تبارك وتعالى"، "مَن غَزَا في سبيلِ اللهِ ولم يَنْوِ إلا عِقالًا ؛ فله ما نَوَى"، ما له من ثواب الجهاد وقدره ومنزلته عند الله إلاَّ العقال اللي نواه ورُح ما شي لك.. والثواب الكبير هذا فين؟ هو لمن أخلص، لمن صدق.
وهكذا أراد الله أن ينبّه بعض المجاهدين خرجوا في قتال المعتدين من الكفار، فكان يتكلم مع أصحابه يقول: إن شاء الله بكرة نغنم من هؤلاء، ونأخذ من غنمهم، ونذبح منها وآكل الكبد، أنا مشتاق الكبد، أنا أحب الكبد، وذهبوا وغنَّمهم الله -تعالى-، في الليل رأى ملكين ينزلان قال: عندك أسماء المجاهدين الذين جاهدوا في هذا اليوم، قال: نعم. فلان، وفلان، وفلان.. ما حد اسمه هذا! قال: أنا من المجاهدين الذي جاهدت معهم، قال: هذا يقول إنه معهم في الغزو وأنه جاهد، قال: من؟! قال: فلان؟ قال: هذا نوى الكبد، هذا نوى أكل الكبد، يقول: لا والله ما قصدي! إنما تمنيت وقلت كذا؛ لكن أنا خرجت لله، وجاهدت في سبيل الله! قال: شوف يقول إنه ما خرجه إرادة أكل الكبد إلاَّ أنه تمناها، قال: ما أستطيع أكتبه في المجاهدين، هذا قصد غير الله بكى وصاح، قال: شوفه بكى وصاح، قال: اكتبه بالهامش قل: يلحق بهم صاحب الكُباد فلان، واعرضه على الله، إن قبله قبله وإن ردّه يرده. انتبه من النوم وهو يبكي: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله.. إنا لله وإنا إليه راجعون. قبلنا الله أو لا؟.. "لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا".
قال سيدنا عمير بن الحمام: إن أنا عشت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة، رمى التمر ودخل، في يوم بدر سمع النبي يقول: "وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ“. ذا يسمع النبي وهو يأكل تمر، كان جائع، مسك التمرة، رسول الله! أعد عليّ مقالتك، "وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ". قال: الجنة يا رسول الله؟ قال: الجنة! قال: بخ بخ! -يعني: ما أحلاها طيب زين-. قال: "ما يحملك على قول بخ بخ؟" قال: لا والله إلاَّ رجاء أن أكون من أهلها. قال ﷺ: "فإنك من أهلها"، لما قال له النبي الكلمة هذه، نظر إلى التمر وقال: إن أنا عشت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة -سآمة وملل- وقعد.. ترك التمر ودخل في المعركة فكان من الأربعة عشر الذين استشهدوا في بدر، وكان من أهل الجنة بشهادة رسول الله ﷺ "فإنك من أهلها"، عليهم رضوان الله.
قال: "وبذل المجهود والسخاء بالمهجة".
قال سيدنا خالد بن الوليد: إني حضرت مئة غزوة في الإسلام، مائة معركة، ما من واحدة منها إلاَّ وتمنيت أن أقتل فيها في كل هذه، قال: فما أدركت، فالآن أموت على فراشي كما يموت العجائز وكما يموت الشاة والبعير! فلا نامت أعين الجبناء -رضي الله عنه-.
قال: "ونفي شهوة الرجوع".
قال سيدنا -الله- عمرو بن الجموح: اللهم لا تردني إلى بيتي! وهو خارج إلى أحد... اللهم لا تردني إلى بيتي ولا إلى أهلي خزيان، وارزقني الشهادة في سبيلك. فقُتِل إلا أن سيدتنا هند بنت عمرو بن حرام حملته معها. هو.. وأخوها وابنها خلَّاد منهم ثلاثة. أرادت تُقْبرهم في المدينة ليكونوا قريب منها لزيارتهم، وهي تمشي متوجهة للمدينة لاقت سيدتنا عائشة مع مجموعة من النساء من أهل المدينة لما أرجف المنافقون أن رسول الله قُتل خرجوا ينظرون الأمر، فوجدوها مقبلة من جهة أحد، وقالوا: يا هند بنت عمرو! مرحبا! ما الخبر وراءك؟ ما الخبر في المعركة؟ ماذا ؟ قالت: رسول الله صالح! النبي بخير طيب. رسول الله صالح، وكل مصيبة دونه جلل، انظر زوجها وابنها وأخوها هنا معها مقتولين!
قالت: رسول الله صالح، وكل مصيبة دونه جلل -أي مصيبة ثانية صغيرة ما دام النبي بخير -الحمد لله-. (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) [الأحزاب:25]، وبرك الجمل، حاولتُه يقوم ما رضي. حتى.. ردته نحو أُحد قام يمشي بسرعة، رجعته نحو المدينة برك، ردته نحو أُحد قام يمشي. رجعتُه نحو المدينة برك. أعياها لما راحت إلى أُحد. قالت: يا رسول الله ما للجمل؟ قال: ماذا؟ قالت: كلما وجهته إلى المدينة برك، وكلما رجعته إلى أُحد يمشي.
قال: هل قال عمرو حينما خرج من بيته شيء؟ عمرو زوجك هذا لما خرجنا من المدينة قال شيء؟
قالت: نعم. رفع يديه وقال: اللهم لا تردني إلى بيتي ولا إلى أهلي خزيان، وارزقني الشهادة في سبيلك.
قال: فتلك دعوة عمرو! تبغي ترجعينه؟ كيف؟ دعا ما يريد يرجع، قال ما تردّنا، قال: "فتلك دعوة عمرو، إن منكم معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره منهم عمرو بن الجموح. يا هند، ما زالت الملائكة مظلّلة على عمرو منذ قتل حتى الساعة يرون أين يدفن. -الملائكة تمشي فوقه-.
قالوا: فلما قبرهم صلى الله عليه وسلم في عشية ذاك اليوم، بعد المعركة صلى الظهر، وانتظر العصر، صلى العصر وخرج يقبر الشهداء. وكان حفروا لهم قبورا ويُقبر الإثنين والثلاثة في القبر الواحد، فكان يصل إلى عند قبورهم كلهم ويناولونهم إياه ويضعهم في القبر. وقبر عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام وخلاّد بن عمرو. لما قبرهم قال: أين هند يا رسول الله، قالت: لبيك يا رسول الله! قال: لقد ترافق عمرو وعبد الله وخلاد في الجنة. قالت: ادع الله أن يجعلني معهم يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني معهم يا رسول الله!
أنعم بهم من رجال، أنعم بهم من نساء، أنعم بهم من ملبين لنداء الله واعين لوحي الله، فنعم الشهداء هم.
لما قبرهم، قال: أشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة، والذي نفسي بيده لا يقف أحد عليهم فيسلم عليهم إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام.
وعلى سيدنا رسول الله وعلى أهل بدر وأهل أحد سلام الله ورحمته وبركاته وجميع الأنبياء والمرسلين والمقربين والصديقين وأصحاب الحبيب الأمين، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، وأرانا الله وجوههم في الدرجات العلا في القيامة ودار الكرامة. اللهم آمين.
قال: "ونفي شهوة الرجوع"
والاثنين المشهورين في نفس غزوة أحد. قال: تعالى، نحن مقبلون على هذا الجهاد في سبيل الله والغزوة فتعال ندع الله، أدعو الله وأنت تؤمن وادع الله وأنا أؤمن. قال: بسم الله. قال: ابدأ ادع الله. قال: اللهم إني أسألك أن تسخّر لي كافرا مشركا قويا حرده شديدا بأسه، أقتله وآخذ سلبه في سبيلك. قال: اللهم آمين.
قال: الآن أمّن أنا أدعو. قال: أسألك أن تسخر لي في هذه المعركة كافرا، قويا باسه، شديدا حرده، يجدع أنفي ويقطع عيني ويبقر بطني. حتى إذا جئتك في القيامة أقول: فيك فُعل بي هذا، لأجلك! قال: آمين. وقال بعد ذلك: كأنك تقول هكذا، تزيد علي أنا؟ قال: خلاص كل واحد حصل له الذي دعا به!
وكان بعض الصحابة يشم عند المعركة في أحد :إني لأجد ريح الجنة دون هذا الجبل. عليهم رضوان الله.
قال: "والقصد في أن تكون كلمة الله هي العليا، وترك الغُلول، وقضاء ديْنه قبل الخروج"
جاء واحد يقول للنبي: يا رسول الله إذا أنا قتلت في سبيل الله شهيدا يغفر لي كل ذنب؟ قال: نعم. راح يمشي. قال: فلان! قال: ماذا؟ قال: إلا الدين! -دين الخلق حقه-. لأنه كان عليه دين، فقال له: اقض الدين أول. إلا الدين، فإن جبريل أخبرني. قال: إلا الدين. فلهذا ينبغي قبل خروجه للغزو أن يقضي الدين.
قضاء الدين قبل الخروج.
"واستصحاب ذكر الله عند القتال وفي كل حال".
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * ) هؤلاء الكفار (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) وإلى اليوم هو يقول لأصحابه الكفار لا غالب لكم اليوم من الناس (وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ) [الأنفال: 45-48].
آداب الأسير
آداب الأسير
"لا يؤمّل فرجًا من غير الله تعالى، ولا يذِل نفسه في معصية الله تعالى، ولا ييأس من رَوْح الله تعالى، ويجمع همّه بين يديّ الله تعالى، ويعلم أنه بعين الله، ولا ينبسط في مال العدو بما لا يُبيحه الله، ولا يفزع إلى غير الله تعالى."
قال: "وآداب الأسير: لا يؤمِّل فرجا من غير الله تعالى". وهذا أدب للأسير وللمسلمين في أحوالهم كلها، لا يؤمّل فرجا من غير الله، ولا يرجع إلا إلى الله. وكان بعض الذي ذكر إخواننا المسلمون في غزة وفلسطين قال: لا تقولون يا عرب ولا تقولون يا غرب، بعّدوا العين والغين وقولوا يا رب… لا تقولوا يا عرب ولا تقولوا يا غرب. بعّدوا العين والغين وقولوا يا رب! هذا الطريق صحيح. قل: يا رب، لا العرب ولا الغرب سينقذكم أحد منهم. الله تعالى سييسّر إنقاذ المسلمين وحفظ دماء المسلمين وأعراض المسلمين، وأموال المسلمين ويردْ عنهم كيد المعتدين الظالمين الغاصبين، يا قوي يا متين.
-
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) [الأنفال:9].
-
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ) – يعني واحد من الرسل السابقين – (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214].
-
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد:31].
يا ربنا إن بلوتنا فضحتنا، فاسترنا بسترك الجميل، وارزقنا الصدق معك والإخلاص لوجهك
-
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:142]. لا إله إلا هو.
-
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) [التوبة:16].
لم يتخذوا من دون الله ورسوله والمؤمنين وليجة! ماشي إلا الله ورسوله والمؤمنين، فقط. لا وليجة لهم ولا ولاء لغير الله ورسوله والمؤمنين.
الله لا إله إلا الله.
-
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا) [النساء:144].
-
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء:145]. يعني ان الذين يتخذون أولياء من دون المؤمنين منافقون.
-
يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51].
اللهم انصر الحق وأهله والإسلام والمسلمين وأعزّ الإسلام وانصر المسلمين وأذل الشرك والمشركين، وأعلي كلمة المؤمنين ودمّر أعداء الدين وأرنا كلمتك عليا في جميع الأقطار.
قال: "ولا يذل نفسه في معصية الله تبارك وتعالى، ولا ييأس من رَوْح الله تعالى تبارك وتعالى"، يفرج عليه متى ما شاء الأسير.
"ويجمع همّه بين يديّ الله تعالى، ويعلم أنه بعين الله، ولا ينبسط في مال العدو بما لا يُبيحه الله، ولا يفزع إلى غير الله تعالى" حتى يخلصه الله.
-
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان:8].
-
(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان:9].
آداب جامعة
آداب جامعة
"قال بعض الحكماء من الأدب: القَ صديقك وعدوك بوجه الرضا من غير ذلة لهم، ولا هيبة منهم، وتوقر من غير كِبر، وكُن في جميع أمورك في أوساطها، ولا تنظر في عطفيك، ولا تكثر الالتفات، ولا تقف على الجماعات، وإذا جلست فترفّع وتحذّر من تشبيك أصابعك، والعبث بخاتمك، وتخليل أسنانك، وإدخال يدك في أنفك، وطرد الذباب عن وجهك، وكثرة التمطّي والتثاؤب. وليكن مجلسك هادئًا، وكلامك مقسومًا، واصغِ إلى الكلام الحسن ممن يحدّثك، بغير إظهار عجب منك ولا مسكنة ولا إعادة، وغضّ عن المضاحك والحكايات، ولا تحدّث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك، ولا تتصنع كما تتصنع المرأة، ولا تتبذّل كما يتبذّل العبد."
ثم ختم الرسالة بآداب جامعة، يقول :
"قال بعض الحكماء من الأدب: القَ صديقك وعدوك بوجه الرضا من غير ذلة لهم، ولا هيبة منهم، وتوقر من غير كِبر، وكُن فى جميع أمورك في أوساطها، ولا تنظر في عطفيك، ولا تكثر الالتفات، ولا تقف على الجماعات، وإذا جلست فترفّع وتحذّر من تشبيك أصابعك". فإن تشبيك الأصابع من مانعات الرحمة، وتشتد كراهته في الصلاة أو في الخطبة.
"والعبث بخاتمك، وتخليل أسنانك" لا يكون في المجامع. إلا لوقت الحاجة والضرورة. "وإدخال يدك في أنفك، وطرد الذباب عن وجهك، وكثرة التمطّي والتثاؤب. وليكن مجلسك هادئًا، وكلامك مقسومًا" وكلامك يكون قسطا مفهوما، واضحا، وتتكلم بصوت يُسمع وألفاظ واضحة، وحروف واضحة. كلامك مفهوم.
"واصغِ إلى الكلام الحسن ممن يحدّثك، بغير إظهار عجب منك ولا مسكنة ولا إعادة"، ايش قلت؟ ايش قلت؟ ايش قلت؟
"وغضّ عن المضاحك والحكايات، ولا تحدّث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك" ولا بكتبك ومؤلفاتك ولا بشيء من شؤون نفسك. "ولا تتصنع -في التزيَّن- كما تتصنع المرأة، ولا تتبذّل كما يتبذّل العبد". وخير الأمور أوساطها.
إلى باقي أسطر في الرسالة، وقد ما بقي معنا بعد هذا اليوم إلا سدس أيام الست من شوال، وهي ليلة واحدة ويوم واحد مقبل علينا، وإذا بنا انتهينا من رمضان ومن العيد ومن ست بعد العيد من شوال، وواجهنا اليوم الثامن إن شاء الله بعطايا ثمينة. ومنن من الله سبحانه وتعالى سمينة. وخيرات منه مكينة. وتأييدات وصلاح لأحوالنا وأحوال المسلمين وفرج للأمة وكشف للغمة وجلاء للظلمة ودفع للنقمة، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
06 شوّال 1446