الاتصال بصاحب الهجرة ونصرته بهجر ما نهى الله عنه
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 2 محرم 1447هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:
الاتصال بصاحب الهجرة ونصرته بهجر ما نهى الله عنه
يتحدث عن معاني الهجرة الحقيقية في حياة المسلم، موضحًا أن نصرة النبي ﷺ لا تكون إلا بهجر ما نهى الله عنه، ومجاهدة النفس على الاستقامة، والارتباط برسول الله ﷺ في الأقوال والأفعال، مع التأكيد على أن التقرّب من الله في هذا الزمن يكون بالثبات على الطاعة وصدق التوجّه، محذرًا من الغفلة والانشغال بزخارف الدنيا التي تصرف القلب عن السير إلى الله.
- 2:31 دعاء للعام الذي أقبل
- 3:07 نصرة الله ورسوله وترك التعلق بالدنيا
- 5:55 نهجر ما نهانا الله عنه
- 8:10 الاتصال بصاحب الهجرة ﷺ
- 9:02 دعاء لتحقق النصرة في الأمة
- 10:48 علو ذكر النبي في الوجود
- 12:22 هجر النظر الحرام
- 13:31 الدعاء للأمة
نص المحاضرة مكتوب:
الحمد لله الخالق الذي إليه المرجع والمآب، وهو وحده رَبُّ الأرباب ومُسَبِّبُ الأسباب، وهو الكريم الغفور التواب، وهو الذي اختصَّ الآدميين بخصائص، وجعل فيهم النبيين والمرسلين، وختمهم بحبيبه الأمين محمد، وجعلنا به -كما سمعتم- خير أُمَّة، فما أعظم ما لله علينا من نعمة. اللهم لك الحمد شكرًا، ولك المنُّ فضلًا، فحقِّقنا بحقائق متابعة نبيك محمد، والسَّيْر في درب حبيبك وصفيك أحمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. ثبِّتنا على دربه، واسقنا من شربه، وأكرمنا اللهم بالحشر معه وأنت راضٍ عنه، أكرمنا بمرافقته في دار الكرامة، وأكرمنا يا مولانا بمرافقته في مواقف القيامة، يا أكرم الأكرمين لا تُفَرِّق بيننا وبين حبيبك الأمين.
صاحب الهجرة، وصاحب الإسراء والمعراج قبلها، وصاحب الغزوات، وصاحب الصبر، وصاحب الرحمة، وصاحب الشفقة، والذي كان شعاره: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون"، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وتبعه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، سادات من يهدون بالحق وإلى الحق، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، ومن بهم يقتدي، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا وعلى أهل جمعنا ومن يسمعنا ويتابعنا، ووالدينا وذوي الحقوق علينا، وعلى جميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، في كل لمحة ونفس، عدد ما خلق وملء ما خلق، وعدد علمه وما أحاط به علمه، وعدد كل شيء وملء كل شيء.
دعاء للعام الذي أقبل
كل صلاة من تلك يُصلح الله بها أحوالنا، ويدفع بها الآفات عنا، ويبارك لنا بها في عامنا هذا الذي أقبلت علينا أيامه ولياليه وأسابيعه وأشهره وساعاته ولحظاته. يا رب اجعله من أبرك الأعوام على أمة خير الأنام، اجعله من أبرك الأعوام على أمة خير الأنام، اجعله من أبرك الأعوام على أمة خير الأنام، في كل خاصٍّ وفي كل عامٍّ، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام.
نصرة الله ورسوله وترك التعلق بالدنيا
وإنَّ من أقوى الربط به -عليه الصلاة والسلام- أن نتصل بصاحب الهجرة بـ:
-
هجر ما نهى عنه ربه ونهى عنه ذاك الحبيب المصطفى.
وقد قال ﷺ في أسرار الرَّبطِ به وبهجرته في حجة وداعه: "المهاجر مَن هجَر ما نهى الله عنه".
- وفي هجرنا ما نهانا الله عنه: نصرتنا للنبي، الذي سمعتم ما قال الله عنه: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) [التوبة:40]. بعدما حذَّر من الركون إلى الزُّخرف والمتاع الفاني، والميل إلى الشهوات القصيرة الحقيرة ونسيان المهمة الكبيرة في نصرة الله ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة:38]؟!
- وقد أعلمناكم زوال الدنيا وقصر الدنيا وحقارة الدنيا وفناء الدنيا، وأعلمناكم عظمة الآخرة وبقاء الآخرة، وأن مُلكها الكبير لا مُلك مثله من أيام خُلقت الدنيا إلى وقت النفخ في الصور، وأن عذابها الأليم الشديد لا عذاب مثله من يوم خُلقت الدنيا إلى يوم النفخ في الصور (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) [الفجر:25-26]، (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) [الإنسان:20]. فيقول: (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة:38]؟!
- بعد هذا البيان الحق من الإله الحق، تُؤْثِرون هذا الحقير؟ تُؤْثِرون هذا الفاني؟
- (..مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة:38]. مُلكها وشهواتها وملذاتها من حين خُلِقَت إلى النفخ في الصور.. قليل، قليل بالنسبة لما في الآخرة (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) [التوبة:38-40]. اجعلنا اللهم من أنصاره ظاهرًا وباطنًا.
نهجر ما نهانا الله عنه
نجتنب ما نهانا عنه في قلوبنا، وفي عيوننا وأسماعنا، وألسنتنا وأفواهنا، وبطوننا وفروجنا، وأيدينا وأرجلنا، في ديارنا.. وفي أجهزتنا، فيما يدور في منازلنا، في عاداتنا، في مناسباتنا، في زواجاتنا: نهجر ما نهانا عنه، نهجر ما نهانا عنه مما يُرَوِّج له ويُزيّنه أعداؤه وينشرونه بيننا.. مِن تخاصُم، من تقاطع الأقرباء، من كِبر، من إيثار للدنيا، من حسد، هذا الذي ينشره ويروج له أعداء الله وأعداء رسوله، وقد نهانا الله عنه.. نهانا -سبحانه وتعالى -عن الكِبر، نهانا -سبحانه وتعالى- عن إرادة السوء بأحد من المسلمين، نهانا -سبحانه وتعالى- عن البغضاء، نهانا سبحانه عن تأخير الصلاة عن أوقاتها، نهانا عن المُسكرات وجميع ما يُزيح العقول من هذه المخدرات، نهانا -سبحانه وتعالى- عن اختلاط النساء بالرجال، نهانا -سبحانه وتعالى- عن التبرج لبناتنا ونسائنا، و: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه". نهانا -سبحانه وتعالى- عن استماع الكلام الماجن والخبيث، ويقول سبحانه: (وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ..) إذا استمعتم إليهم وأنصتُّم أنتم مثلهم (..إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء:140]. أجارنا الله من جهنم..
الاتصال بصاحب الهجرة ﷺ
ولنعزم في أول العام الهجري أن: نهجر ما نهانا الله عنه؛
- لنقرب من صاحب الهجرة،
- ونتصل بصاحب الهجرة،
-
وتَسْرِي أنوار هجرته فينا وفي ديارنا ومنازلنا وأولادنا وأهلينا؛
حتى لا نُحرَم رؤية وجهه في القيامة، اليوم الذي قال عنه: "الويل لمن لا يراني يوم القيامة".
شَرِّف عيوننا بالنظر إلى مُحَيَّاه، في الحياة، وعند الوفاة، وفي البرزخ، ويوم الموافاة، وفي دار الكرامة.
دعاء لتحقق النصرة في الأمة
يا الله.. يا الله.. يا الله: أنت الكريم الذي تُدعى فتستجيب، وتُنادى فتجيب، وقد قلت على لسان الحبيب فيما أنزلت عليه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186].
يا قريب: ندعوك أن تلطف بنا وبالمسلمين، وأن تدفع البلاء عنا وعن المؤمنين، وأن تُثْبِت كل حاضر معنا وسامع لنا ومشاهد لنا ومتصل بنا؛ فيمن تمدهم بالتوفيق أن يهجروا ما نهيتهم عنه، ظاهرًا وباطنًا، ممتثلين لأمرك: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) [الأنعام:120]. واجعلنا من أنصار هذا النبي حقيقة، وبارك فيما مددتَ من بذور في نصرته، وخيورٍ بثثتها في أمته.
وبارك لنا في أهل القلوب المقبلة عليك، والمتوجهة إليك، والحاملة هم الأمانة في دعوته، وفي شريعته، وفي سيرته، وفي هديه، وفي مِلَّتِه، وفي تركته العظيمة. بارك لنا فيهم، وكثِّرهم فينا، واجعل آثارهم منتشرة في الوجود؛ حتى يعم نور الهدى مشارق الأرض ومغاربها، ونرى دين الله ظهر في أمريكا، وفي الصين، وفي روسيا، وفي أوروبا، وفي أفريقيا، وفي الشرق وفي الغرب، يا حيُّ يا قيوم.
علو ذكر النبي في الوجود
فأنت الذي أرسلته واخترته، وقلت عن نفسك -وأنت مَن؟! مَن بيدك ملكوت كل شيء-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ..)، ايش الخلفية حق هذا النبي؟ وايش المرجعية حق هذا النبي؟ وايش اللي وراء هذا النبي؟ : هو! (هُوَ)، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33]،[الصف:9]. والمُعادون له من حياته إلى اليوم، من وقت إلى وقت وكل ساعة بأسلوب، يريدون أن ينتهي ذكره، يريدون أن تنتهي الصلة به، ويريدون قطع الناس عنه، و: (وَیَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّاۤ أَن یُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:32-33].
الحمد لله على نعمة الانتماء إلى هذا النبي. وذُكِّرتم بالفضائل والخصائص التي خُصِّصتم بها لأنكم من أمته ﷺ. يوم يُحبَس جميع الأمم والأنبياء عن الحساب وعن الميزان وعن الصراط وعن دخول الجنة؛ حتى يدخلها أمة هذا الحبيب ﷺ. سبحان الذي خصَّصكم! سبحان الذي شرَّفكم وكرَّمكم! فاشكروه، واحمدو، وأقبلوا بالكُلِّيَّةِ عليه.
هجر النظر الحرام
وانتهوا عما نهاكم عنه، واهجروا ما نهاكم عنه، و: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه". نهى الله عن النميمة فاهجروها، نهى الله -سبحانه وتعالى- عن النظر الحرام فاهجروه،
- (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ..)،
- ثم ذكر المحارم: (..ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:30-31].
الدعاء للأمة
بارك الله لنا ولكم في هذا العام، بارك الله لنا ولكم في هذه السنة، جعلها من أبرك السنين، من أبرك الأعوام علينا وعلى أمة الحبيب أجمعين في المشارق والمغارب. يا رب افتح فيها أبواب الفرج والُّلطف للأُمَّة فيما جرَت به مقاديرك، وارفع الضيق والحرج، وقوِّم لنا كل مُعوَّج، وثبِّتنا على الاستقامة، وأتحِفنا بالكرامة، يا مجيب الدعوات، يا قاضي الحاجات، يا ربَّ الأرضين والسماوات.
وتوجهوا إلى الرحمن كلكم: يرحمكم، ويرحم أهل دياركم، وأهل زمانكم، ويرحم العباد في المشارق والمغارب.
وقولوا جميعًا: يا أرحم الراحمين * يا أرحم الراحمين * يا أرحم الراحمين * فرج على المسلمين.
01 مُحرَّم 1447