خصوصية الأمة بخاتم الأنبياء ومقتضاها في فكرهم وسلوكهم وَجود رب العرش عليهم
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 17 ذو الحجة 1446هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:
خصوصية الأمة بخاتم الأنبياء ومقتضاها في فكرهم وسلوكهم وَجود رب العرش عليهم
يتحدث عن شرف الانتماء إلى أمة النبي محمد ﷺ وضرورة التمسك بالإيمان واليقين في زمن الفتن والاضطرابات، بأن العز لا يُنال إلا بالرجوع إلى الله واتباع هدي نبيه، ويحذّر من الانخداع بزخارف الدنيا ومكر الأعداء، منبِّهاً إلى أن ما أصاب الأمة من ضعف وهوان هو نتيجة البعد عن الدين.
نص المحاضرة مكتوب:
قبلنا الله وإياكم، وثبَّت قلوبنا وأقدامنا، ونظر إلينا بما نظر به لمحبوبيه؛ حتى يلحقنا بهم يوم نلاقيه، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
المطالب الكبيرة لقلوب المؤمنين
خصَّكم الله -تبارك وتعالى- بميزة عن جميع الأمم -وقد خصهم بالإسلام وبالإيمان، وبوجود الأنبياء والرسل- خصكم بمحمد خاتم النبيين، أي بإبرازه وظهوره إلى هذا العالم، وجعلكم من أمته مباشرة.. صلوات ربي وسلامه عليه.
فحقِّقنا اللهم بـ:
- حقائق الانتماء إليه،
- والاقتداء به، والاهتداء بهديه،
- وأن لا يكون في قلوبنا شيء أحب إلينا منك ومنه أبدا،
يا حيُّ يا قيُّوم؛ حتى تحشرنا في زمرته غدا.. يا الله.
- تلكم المطالب الكبيرة، التي يطلبها من جعل الله له على ظهر الأرض بصيرة، ومن نوَّر الله له قلبه -سبحانه وتعالى- وصفَّى له السريرة.
- فهم الذين أرادهم الله، خرجوا من ورطات الخيالات والأوهام وأنواع الضلالات، وزخرف القول الغرور الذي يتداوله شياطين الإنس والجن (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) [الأنعام:112].
- وإنما يغتر به من ضعف إيمانه بالمصير والمرجع إلى العلي الكبير -جلَّ جلاله- (وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ) [الأنعام:113].
- ولكن قلوب المؤمنين تُصغي إلى قول الله -جلَّ جلاله-، وأقوال أنبيائه وأوليائه، وهي المُنَزَّهة عن الغش، وهي المُنَزَّهة عن الكذب، وهي المُنَزَّهة عن الخيانة، وهي المُنَزَّهة عن التلبيس والتدليس، وهي المُنَزَّهة عن الدجل.
- فأصدق القول قول الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله ﷺ، وخير ما يُقال بعد ذلك ما اُستُفِيدَ من نور الوحي والتنزيل وبلاغ النبي الجليل، خير هاد وخير دليل ﷺ.
قيام الحج إلى يوم الجمع
بسِرِّ دعوته وختمه للنبوة والرسالة؛ قام هذا الحج في عامكم. ويقوم في أي عام يكون بهذا السبب لا بغيره، وبهذه الواسطة، إلى أن يأذن الله بخراب هذا العالم، ليأتي ما أخبرنا به على لسان هذا الصادق خير الخلائق ﷺ من جمع الأولين والآخرين (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) [الواقعة:49-50].
وقد عَلِمه الله، وحدَّد له وقتا لا ينقص ولا يزيد، لذلك قال: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) [النبأ:17]، (وَلَوۡلَا كَلِمَةࣱ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى لَّقُضِیَ بَیۡنَهُمۡۚ) [شورى:14]، (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19].
ولكن القضاء الأكبر الشامل لكل أفكار هذا الإنسان، واعتقادات هذا الإنسان، وأعمال ونيات هذا الإنسان؛ في يوم الفصل، في يوم القضاء (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [النحل:124]، (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) [التين:8]، بلى ونحن على ذلك من الشاهدين.
فيتبيَّن عندئذٍ حقائق الأمور، ويذهب كل الزور بأصنافه فكرا وقولا، ولا يبقى إلا الحق (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:73]، -جلَّ جلاله-.
الدعاء بالقبول لحجاج بيت الله
والحمد لله على قيام الحج، وحضور هؤلاء مئات الألوف والملايين.. من الإنس، ومن الجن والملائكة فوق ذلك من الأعداد الكبيرة، وما يحصل من خبر رسول الله ﷺ عن الله: أنَّ ربَّ العرش يباهي بهم الملائكة ويُشهدهم على المغفرة لهم ولمن شفعوا له، وما يمتد من آثار ذلك إلى القلوب الصادقة في مشارق الأرض ومغاربها. الحمد لله على هذه المِنَّة، اللهم اقبل جميع حجاج بيتك وزوار نبيك، وأشركنا فيما آتيتهم وتفضلت به عليهم، وفيما دعوك به من الخير وما تعلمه من النور والهدى، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
قرب الفرج بعد شدة الكروب
ولا تزال القلوب التي آمنت؛ مُلِحَّة على هذا الإله، وواثقة به، ومعتمدة عليه، ومستندة إليه.. مهما تقلبت الأحوال، ومهما اشتدت بالناس النوازل والشدائد
وإذا تطول إقامةٌ حَادِثٍ ** كانت مُبَشَّرًة بطول المُنتَظَر
من سُنَّتِه سبحانه.. من سُنَّته في الوجود والخلق -جلَّ جلاله-، وأنه لا تقوى أزمة وتشتد أو تطول أيامها إلا كان فرجها أطول وأكبر وأكثر، وهكذا (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح:5-6].
ولكن نفوس الخلائق في ضعفهم وعجزهم، والعجلة التي خُلِقوا بها؛ يَسْتَقرِبُون الأمور ويستبطئون النتائج. والحق تعالى يقول: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ..) –أي الواحد من رسلهم والأنبياء– (..حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ..) قال الله: خلُّوا العجلة حقكم، الأمر ما يخرج من قبضتي أصلا، ولا يخرج من يدي أصلا، ولكن لأجَلْ. قال الله سبحانه: (..أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:124].
أثر نور النبي ﷺ على الوجود
وهكذا تأتي هذه التوجهات، ووفادة مَن وفَد قبل الحج وبعد الحج إلى رحاب المدينة المنورة؛ من أجل الذي نوَّرها الله به، وشرَّفها الله به، وشرَّف به الوجود كله ﷺ؛ من أجل أحب حبيبٍ إلى الله، وأقرب قريب إلى الله، وأكرم كريم على الله، وأعلى خلق الله جاها عند الله.
عبدٌ كريمٌ على الرحمن اسمه: محمد بن عبد الله..! اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. حفظ اسمه واجب على كل مَن آمن بالله -جلَّ جلاله-، وأن يعرف أنه وُلِدَ بمكة ونشأ وابتعث بها، وأنه هاجر إلى المدينة، وأنه توفي ودُفِنَ بها، صلوات ربي وسلامه عليه.
والأُمَّةُ في آثار ما بلَّغ عن ربِّه، وما أدَّى من الأمانة الكبيرة العظيمة؛ فما من خير عند إنسيٍّ ولا جنيٍّ من هذه الأمة إلا وهذا سببه، إلا وهذا أصله وأساسه.. صلوات ربي وسلامه عليه. فحمدا لربٍّ خصَّنا بمحمد ﷺ..
وبارك الله في وفادتهم وإقبالهم إلى طيبة الطيبة، وحرمها الذي حرمه ﷺ، ثم إلى مسجده الكريم، ثم إلى روضته الغراء، ثم إلى حجرته الطاهرة التي فيها البقعة التي جعل الله جسده الكريم فيها -صلوات ربي وسلامه عليه- ففاقَت أيّ بقعة من بقاع الأرض أو من بقاع السماء أو بقاع البرزخ أو من بقاع الآخرة ما دام فيها.. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
وهكذا تقوَى روابطهم فيما سمعتم؛ من أسرار هذه الروابط الغالية..
عاقبة الروابط المنقطعة عن الله
روابط الأفكار: الدنيوية، والأحزاب، والمصالح: السياسية، والاقتصادية، والصحية.. وغيرها؛ كل ما انقطع منها عن الله فهو: زائل، فان، حقير، عاقبته -إن سَلِم أصحابه وسُلِّموا من العذاب والسعير- فعاقبته: ندامة وحسرة على ما فات وانقضى.
وترون أي شيء تعمل بهم هذه العلائق!
وكنا نقول إنَّ جهد أعداء الله تعالى فيما ينشرون من زخرف القول الغرور، الذي به لعبوا بقلوبنا، ولعبوا بأفكارنا، حتى ضربوا بعضنا ببعض، وآذوا بعضنا ببعض، وأقاموا بيننا شيئا اسمه ثورات، وشيئا عركات، وشيئا انقلابات، وشيئا خَبْطَات من الخَبْطَات! وشيء كذا وشيء كذا! نقول: إنَّ كل ما عملوه ببلداننا سيقوم في بلدانهم، وسيظهر في بلدانهم.. إن كانت حروبا، وإن كانت مظاهرات، وإن كانت أزمات.. كل ما عملوه في المسلمين سيكون في بلدانهم، والعلائق التي يلعبون بها على خلق الله تعالى ويضربون ذا بذا سيضرب الله بعضهم ببعض.
والمَلِك فوق مملكته، والقوي بقدرته فوق عباده (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ..)
الظن والوهم الكاذب
(..أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ..) هذا الباطل، هذا الكذب، هذا الزور بكله! ليس مع الله إلها آخر.
- ولا يُصَرِّف الدنيا والآخرة إلا هو،
- ولا ينفع إلا محبته وقربه،
- ولا يضر إلا الكفر به وإلا معصيته -جلَّ جلاله-.
ولا أحد يُقَدِّم عمر أحد، ولا يؤخِّر عمر أحد، ولا أحد يُقَدِّم رزق أحد، ولا يؤخِّر رزق أحد (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58]، -جلَّ جلاله-، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ..)، ما هذا الإفك؟ ما هذا الوهم؟ ما هذا الظن الباطل؟!
(..وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ..)
(إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ..)
(إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ..)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا..) إن تريدون اتخاذ عدوٍّ عادوا مَن يريد إفسادكم! مَن يريد هلاككم! لا تُعادون أوليائي، لا تُعادون أنبيائي، لا تُعادون بعضكم البعض بغير حق! عادوا عدوكم الذي يريد لكم الشقاء المؤبد، الذي يريد لكم العذاب المُخَلَّد (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ..) ومن حزبه؟ كل كافر، كل فاسق، كل شقي، كل مفسد في الأرض، هم حزبه (..إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ..) -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
الخُلاصة الحق!
مَن؟ (..الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ..) هذه الخلاصة الحَقيَّة، الحقيقية التي ليس في الوجود غيرها (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ..)
فهمت أو ما فهمت؟
هذا الحق، وهذا قول الحق، وما شيء في الوجود غير هذا إلا الضلال والخيال والوهم فقط (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).
فما الذي يحصل من هذا العمى وهذا التَّكالب وهذا التكاتف على السوء؟ (..أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر:3-8].
ومكر أولئك هو يبور
وبأدنى عقلٍ يملكه إنس أو جن يقول: شوف قدامك آية واحدة: يقول -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا..) أحد غيره يصلِّحها؟ هاتوا الأحزاب حقكم، هاتوا التكنولوجيا حقكم؟ هاتوا الذكاء الاصطناعي الذي توصلتم إليه الآن وتعملون به ما تعملون؟
قد أتعبتم أنفسكم وأتعبتم الناس معكم بالصناعات السابقة والتكنولوجيا السابقة، والآن تتلاعبون به وإلى حد محدود، وأقول لكم: حدّكم في هذا أقصر من حدود فيما مضى، الأشياء التي فُتِنتم بها ولعبتم بها في الحياة -وكان لكم حد فيها-، لكن حدَّكم في هذا أقصر منها. وتنتهي هذه الأشياء.
ومَن غيره سبحانه؟ (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ النُّشُورُ..)
اسمعوا : ماذا تطلبون؟ (..مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ) [فاطر:3-10].
صدَق العزيز الغفور، صدَق القوي القدير، صدَق السميع البصير.
(وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ)، ويضمحل ويتلاشى، وينتهي كل شيء، ويصبحون عبرة كما الذين قبلهم. وهم أول خلق برزوا يعادون الرسل والأنبياء ويعادون الأولياء؟ هم أول خلق؟ لا الأول ولا الثاني ولا الثالث ولا العاشر ولا المائة ولا الألف..! وكلهم صاروا عبرة، كلهم صاروا عبرة لمن اعتبر، وسيصير هؤلاء كذلك.
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى ** ويا رب اقبضنا على خير مِلَّةِ
وصية لنصرة المؤمنين
فعلى المؤمنين: حقيقة الرجوع إلى الله، بــ:
- تقوية الإيمان واليقين،
- والعمل بالشريعة، وعدم قبول نظام يُخالف نظام ربَّ العرش العظيم،
- وكثرة الدعاء والتضرع.
- وإذا قاموا بذلك فالأمر مضمون؛ لأن القدرة قدرته، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون.
- والهُون الذي ضُرِب على المؤمنين: مؤقَّت ببعدهم عن الدين، قال ﷺ: «لا يرفعه الله عنهم حتى يعودوا إلى دينهم»، إذا عادوا إلى الدين ذهب ذُلّ المسلمين وجاءهم العز (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر:10]، -جلَّ جلاله- (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8].
الذين لا عهد لهم ولا ذمة
وأمَّا الذين لا عهد لهم ولا ذمة.. ولا يزالون في جراءتهم يرتكبون فسادا فوق الفساد! وفرعون قبلهم قد قتَّل وعَمِل.. لألوف! (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) [القصص:4]، وآخر شيء في الغرق: (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس:90]! وما عاد ينفعه إيمانه في تلك الساعة.
ويعملون ما يعملون…! ويا فوز أهل الشهادة بعظيم السعادة! و: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) [الروم:4].
وهم لا يتورعون عن شيء، مهما أعطوا من مواثيق، ومهما أعطوا….! تلك المرة صلَّحوا مواثيق وقلنا: ما هو بعيد منهم أن يخرجوا منها وأن يخونوا فيها وخانوا! ولا بعيد منهم أن يتجرؤوا على بيت المقدس ويُكسِّروا ويُهدِّموا فيه ولكن هم سيتكسرون وينهدمون بعد ذلك، ويُظهِر الله دينه على رغم الأنوف (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:9].
فالله يملأ قلوبنا بالإيمان واليقين، ويرزقنا الصدق في الإقبال عليه والوجهة إليه، والعمل بشريعته واتباع نبيه ﷺ.
دعاء للأمة الإسلامية
يا رب: اقبل القلوب المتوجهة إليك في شرق الأرض وغربها، من إنسك وجنك، أمة نبيك محمد ﷺ، وكثِّر فيهم الإيمان، وكثِّر فيهم اليقين، وكثِّر فيهم النور، وكثِّر فيهم الصدق، وكثر فيهم الإخلاص، وكثِّر نشر الهداية يا حيّ يا قيّوم، في مشارق الأرض ومغاربها، يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين.
وأعلِ كلمة المؤمنين، يا ذا الكلمة العليا: أَرِنا يا مولانا علوّ كلمة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وكلمة الذين كفروا هي السفلى. اللهم ادفع شرَّهم عنَّا وعن جميع المؤمنين، اللهم انشر الخير والهداية، وارزقنا الاستقامة على الاقتداء والاهتداء الموجب للولاية، وتولَّنا في البداية والنهاية بما أنت أهله.
يا ربَّ كل شيء، بقدرتك على كل شيء، وعلمك بكل شيء، واطلاعك على كل شيء، اغفر لنا كل شيء، وأصلح لنا كل شيء، ولا تسألنا عن شيء، ولا تعذبنا على شيء، يا حيُّ يا قيُّوم.
يا أرحم الراحمين: انظر إلى أهل الجمع، ومن يتابعهم ومن يسمعهم ومن يشاهدهم ومن يواليهم، نظرة من عندك ربانية تجعلنا وإياهم أجمعين في خيار الأمة المحمدية، الذين تَقِر بهم عين نبيك ﷺ، وتُجري لهم وعلى أيديهم الخير الكثير للأمة، وتجعلهم سببا لكشف الغمة، وجلاء الظلمة، ودفع النقمة، يا من بيده الأمر كله. يا قوي يا متين: اقبلنا وجميع الحاضرين، والمشاهدين والمتابعين، واجعلنا في الهداة المهتدين، وممن ترعاهم عين عنايتك.
اللهم: وجميع القلوب الطاهرة والمخلصة والمتوجهة إليك من أمة نبيك محمد ﷺ ثبِّتهم وقوّهم وأيِّدهم وانصرهم وأعنهم، وكثِّرهم فينا، وأصلح ظواهرنا وخوافينا. سيدنا: وحاجاتنا أنت أعلم بها منا، فاقض لنا حاجاتنا ما علمنا منها وما لم نعلم، في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة ودار الكرامة.
يا أكرم الأكرمين، يا أول الأولين، يا آخر الآخرين، يا ذا القوة المتين، يا راحم المساكين، يا أرحم الراحمين: أيدنا وأهل "لا إله إلا الله محمد رسول الله" أجمعين بأعظم التأييد، وسدِّدنا وإياهم بأقوى التسديد، وتولَّنا في كل شأن، يا من يبدئ ويعيد (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج:14-16].
يا الله: نظرة من نظراتك، ورحمة من رحماتك، نجني بها من ثمار حج الحجاج وزيارة الزائرين وطواف الطائفين: فرجا للأمة، وكشفا للغمة، وجلاء للظلمة، ودفعا للنقمة، وبسطا لبُسِطِ الرحمة، وتحويل الأحوال إلى أحسنها..
يا الله.. يا الله .. يا الله..
يا قريب يا مجيب، يا ذا العطاء الرحيب، يا سامعا يا مجيب، يا الله ..يا الله .. يا الله .. يا الله. إليه توجهوا، ولعظمته تذلَّلوا، ولِمَا عنده اطلبوا، وبه فثقوا، واملأوا قلوبكم من رجائه، وأقبلوا بالكلية عليه يُقبِل بوجهه عليكم -تعالى في علاه-، ويجود ويغفر، ويُصَفِّي ويُطَهِّر ويَهَبُ -سبحانه وتعالى- ويُجزل ويغفر.. لا إله إلا هو.
وقولوا: يا أرحم الراحمين * يا أرحم الراحمين * يا أرحم الراحمين * فرج على المسلمين
16 ذو الحِجّة 1446