أصناف المكلفين على ظهر الأرض وعواقبهم ومآلاتهم وعجائب رسالة ومزايا خاتم النبيين
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 10 رجب الأصب 1446هـ، بعنوان:
أصناف المكلفين على ظهر الأرض وعواقبهم ومآلاتهم وعجائب رسالة ومزايا خاتم النبيين
لمشاهدة المجلس كاملاً:
https://youtube.com/live/1X7C1k-fw3E
1:26 خيبة المستكبرين عن دعوة الله
3:54 تحليل حال من يصد الناس عن سبيل الله
7:20 ليظهره على الدين كله
8:05 موقف استماع الجن لداعي الله
10:26 اتباع منهج الله ورسوله وفساد مخالفته
12:41 تجمع الفضل الرباني في الحقيقة المحمدية
14:17 قلوب تبلغ الأمانة على وجه الأرض
15:42 عظمة معرفة رسول الله ﷺ
17:46 خطاب الله لنبيه السراج المنير
18:45 الرحمة الكبرى التي تفضي لنعيم الأبد
20:50 تعظيم النبي محمد ونصرته
22:23 حقيقة إجابة داعي الله
23:16 وصول هذا النور إلى أبعد بقاع الأرض
24:40 الاغترار بما سوى الله
25:50 إقامة الفتن لهدم قواعد الإسلام
26:49 أهل الوكالة الربانية
29:44 دعاء وتضرع إلى الله
33:44 الله الله يا الله لنا بالقبول
نص المحاضرة مكتوب:
الحمد لله على دين الله، الحمد لله على سبيل الله، الحمد لله على طريق الله، الحمد لله على منهج الله، الحمد لله على حامل ذلك كله محمد بن عبد الله، ومُبيِّنه عن الخالق تعالى بعلاه؛ بأحسن بيانٍ وأشرف لَهَاة نطَقَت باسم الله ودعَت إلى الله؛ لَهَاة المصطفى محمد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وأهل محبته وأهل الاقتداء به وأهل متابعته، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين تقدَّموا قبله في الظهور إلى هذا العالم؛ وهم في المعنى في النيابة عنه؛ في الدعوة إلى الله، وبيان سبيل الله، وطريق الله، ومنهج الله، ونظام الله الذي ارتضاه لمن كلفهم من الإنس والجن على ظهر هذه الأرض. فصلوات الله وسلامه عليهم وعلى جميع آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين.
خيبة المستكبرين عن دعوة الله
والناس على ظهر الأرض:
- مَن لم تبلغه الدعوة والرسالة، ولم يصل إليه النبأ العظيم والخبر الأهم في الوجود والحياة: فيسلَموا من العذاب ويسلَموا من العقاب الشديد وسوء المآب.
- ولكن مَن بلغته هذه الدعوة ووصل إليه هذا النداء فأدبر وأعرض واستكبر: (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[لقمان:7]، -والعياذ بالله تبارك وتعالى- (إِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[الجاثية:9]، هؤلاء شرار الخلق (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)[البينة:6].
فيَا خَيْبَة مَن وصلته الدعوة فأعرض عنها واستكبر! ويا خَيْبَة مَن اِدَّعى الإقبال عليها وهو مُدبِر بقلبه! وادّعى فهمها وهو جاهل بحقيقتها! فهؤلاء هم المنافقون -والعياذ بالله تعالى- في الدرك الأسفل من النار!
يقول جلَّ جلاله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ..) وذكر وصفهم (..يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ..)
تحليل حال من يصد الناس عن سبيل الله
(.. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ..) شُف طَوَّل الكلام في هؤلاء! الكفار أولئك الظاهرين خلاص جاب آيتين فيهم، وهؤلاء؟ (..أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ)[البقرة:6-12].
بل وجدنا أيضا الكفار المناوئين الذين اشتد عذابهم.. الكفار أعرضوا عن نداء الله وعن نداء رسوله ولم يُضَارّوا ولم يُناوئوا ولم يصدوا عن سبيل الله؛ فلهم عذاب شديد؛ ولكنه أخف من عذاب هؤلاء الذين يصدّون عن سبيل الله ويصدون عن آيات الله -جلَّ جلاله-، والذين يعملون هذه المخططات على ظهر الأرض للصَّدِّ عن سبيل الله! وفيهم مَن قال عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ..) ولكن النهاية محسومة.. صَلِّحوا ما شئتم، ايش معكم؟ معكم صواريخ؟ ومعكم طائرات؟ ايش معكم؟ معكم قنبلة نووية؟ ايش معكم؟ الذي معكم صَلِّحوه (..فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)[الأنفال:36-37].
اللهم اجعلنا من الطيبين..
وهؤلاء في خططهم هذه أقوى سلاح لهم هم المنافقون من هذه الأمة، وهم مُدّعو العلم على غير بصيرة بلا سند من هذه الأمة، هؤلاء أسلحتهم الكبيرة للنيل من هذه الأمة؛ ينالون منهم في الإضرار بهم وتشتيتهم وإفسادهم ما لا يقدر عليه الكفار مباشرة ويجيب عبر هؤلاء. وهم الذين قُتِل أوائلهم على تأويل الكتاب، على يد سيدنا علي ومن معه من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار..
قوتِلوا على تأويل الكتاب..
وقال سيدنا علي في يوم أخرج ذي الثَّدِيَّة منهم -الذي ذكر له النبي وصفه، وما جاءوا عليه، حتى وجدوه في حفرة تحت فأظهروه- قال: صدَق رسول الله ﷺ، وقال لصحابه: لولا أن تَبْطُروا لأخبرتكم بما عند الله تعالى من الأجر لمن قَتَل هؤلاء، أخبرني النبي ﷺ قال: "لولا أن تبطروا لفصَلت لكم أجور مَن يقاتل هؤلاء"! لأنهم الذراع القوي لإبليس من جملة جنوده من أنواع الذين ما اكتفوا بالكفر.. ولكن قاموا بالعناد، وقاموا بالإضلال، وقاموا بالإفساد، وقاموا بوضع الخطط لصَدِّ الناس عن سبيل الله، ولقطع الطريق على من يؤمن بالله؛ ولئلا يُعرَف حقيقة هذا الدين وحقيقة هذه الدعوة وحقيقة هذا الإسلام!
ليظهره على الدين كله
ولكن الأمر أيضا محسوم (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة:33]، كَتِّموا لمَّا تشبعون لابد بيظهر (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ). وبعد الذين يحاولون يكتمون حقائق هذا الدين يَصِل إلى أولادهم الإسلام ويدخلون فيه.. على رغم أنوفهم، و: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ)[النور:35]، -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-.
ولكن الفوز الأكبر للذين آمنوا وصدَّقوا واتبعوا المنهج.. منهج الله، صراط الله، طريق الله، دين الله -جلَّ جلاله وتعالى-.
موقف استماع الجن لداعي الله
وَعَاهُ الجماعة من الجان؛ سمعوا القراءة من لسان سيد الأكوان، وكان ذلك بتقدير من الرحمن (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ..) أي جئنا بهم إلى عندك، سبقت لهم السعادة وحوَّلناهم إليك يدخلون من الباب (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا..) فاستمعوا بالأدب والإنصات (..فَلَمَّا قُضِيَ..) امتلأوا به، وعادوا علماء مُتزَكِّين مُعلّمين دعاة إلى الله تعالى (..وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ..) هذا محمد داعي الرب، داعي الإله (أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ..) هذا الناطق بدعوة الله، هذا الذي أُنزِل عليه هذا الكتاب (..أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ..) مَن يريد أن يُعجِز الله؟ مَن هذا؟ هم يهود ولا نصارى ولا ملحدين ولا هندوس؟! مَن يقدر يعجز الله تعالى؟ ما هم بمعجزين في الأرض (..وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ..) قال الله لِمَ يقطعون أنفسهم عن حُسنِ النظر بما آتيناهم من عقول وفِكَر؟ (..أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ..) أي: لم يعجز (..وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الأحقاف:29-33]، (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[غافر:57].
فعَلَّمنا الله وفهَّمنا..
اتباع منهج الله ورسوله وفساد مخالفته
-
هؤلاء الذين لبّوا نداء الله وصدّقوا برسوله واتبعوا منهج الله في هذه الحياة على درجات.. على درجات في الفوز، على درجات في السعادة.
- ويُزَاحمه مناهج الشرق والغرب.. كل أنظمتهم ومناهجهم، كل ما خالف فيها منهج الله؛ فهو والله ضر، وهو شر، وهو ظلمة، وهو فساد في الأرض! والله العظيم كل ما في أنظمتهم.. شرقي وغربي، إنسي وجني.. مخالف لهذا المنهج الذي جاء به محمد؛ فكل هذا المُخالِف له: ضر وشر وفساد وظلمة وشقاء!
يا ويل مَن خالف منهج الله! يا ويل مَن أعرض عن ذكر الله!
-
فما أعظم شرف الإنسان المخلوق العبد! يدين بدين الله، يمشي على منهج الله، يمضي في طريق الله، يسلك صراط الله، هذا من مخلوق.. صراط الله ودين الله وطريق الله ومنهج الله يمشي عليه، يا ما أعظم شرف هذا الإنسان!
-
ويا ما أَتْفَه إنسان عرَض الرحمن العليم بكل شيء عليه منهاجه فرفضه وأتى بمنهاج مضاد، وأتى بنظام مضاد، وأتى بطريق مضاد! (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ..)، ونعم الوصية من الله (..ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ..)
تجمع الفضل الرباني في الحقيقة المحمدية
(..وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الأنعام:153-155].
يا رب ارزقنا اتباعه وتقواك بهذا الكتاب، والمشي على منهج هذا الكتاب، منهج سيد الأحباب محمد، إمام الدين هو، ومُبَيِّن الدين هو، وموضِّح الدين هو، وإمام طريق الله هو، وسيد أهل صراط الله هو، والقرآن نزل عليه، وتجمَّعت المحاسن كلها.. تجمَّع الفضل الإلهي الرباني بكل معنى في هذه الحقيقة المحمدية!
ذات ما مثلها ذات! حَوَت صفات ما مثلها صفات! وقامت بأفعال ما مثلها أفعال! قال له الرحمن: (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ)[القلم:1-6]. قال ربي الحقائق سنكشفها وكُلٍّ سيعلمها، وعندئذ: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[غافر:52]، -والعياذ بالله تبارك وتعالى- (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا)[الفرقان:27]، (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ)[النساء:42].
قلوب تبلغ الأمانة على وجه الأرض
فالحمد لله أننا جئنا بعد بعثة هذا النبي المصطفى محمد صلَّى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله، بألف وأربعمئة وفوق الخمسين من السنين من بعثته.. صلى الله وسلم عليه وعلى آله، قرابة ستين وأربعمئة وألف؛ ونجد قلوبا على ظهر الأرض تُفَكِّر في حمل دينه وطريقه وصراطه وأمانته؛ لتُبَلِّغها مَن بقي على ظهر الأرض!
ما أعجب جهدك يا زين الوجود! عُوديت من قبل أعداء ربك من يوم بُعثِت! وتفَنّنوا في معاداتك بأنواع الطرق.. فُرَادَى وجماعات وشعوب ودول؛ واليوم ذكرك يُنشَر ويُذكَر ويُرفَع! ودينك باقي! -وهو في طريقه إلى الظهور؛ حتى يعمّ المعمورة- بما وعدك مُكَوِّن الأرض والسماء، وأخبرك أن لا يبقى بيت على ظهر الأرض إلا ويأتي زمن وقد دخله دينك "بذُلِّ ذليلٍ أو عِزِّ عزيز"!
عظمة معرفة رسول الله ﷺ
فصلى الله عليك يا أعزَّ مخلوق على الخالق، ويا أكرم موجود على المُوجِد، ويا أكرم مصنوع على الصانع، يا زين الوجود، يا صاحب المقام المحمود، يا صاحب الإسراء والمعراج.
أعظم أهل الله فوزا في معرفته، ومعرفة صراطه، ومعرفة سبيله، ومعرفة طريقه، ومعرفة منهاجه: الأنبياء والمرسلون؛ وقد جُمِعوا لك في مثل هذا الشهر في بيت المقدس، ولم يبق منهم واحد نبي ولا رسول إلا وجيء به، واصطفوا صفوفا فكنت أنت الإمام، يا ماحي الظلام، يا خير الأنام..
وشاهد جنَّاتٍ ونارا وبرزخا ** وأحوال أملاكٍ وأهل النبوة
وصلَّى وصلّوا خلفه فإذن هو ** المُقَدَّم وهو الرأس لأهل الرئاسَةِ
عرَّفنا الله بك، عرَّفنا الله فضلك، عرَّفنا الله شرفك، عرَّفنا الله من كرامتك، عرَّفنا الله من قدرك، أمَّا حقيقتك فلا نحن ولا الإنس البقيّة معنا ولا الجن ولا الملائكة يقدرون على إحصائها! ولا الإحاطة بها! إنما يعرفك مَن خلقك، إنما يعرفك مَن سوَّدك على مَن سواك، إنما يعرفك مَن اصطفاك واجتباك واختارك -سبحانه وتعالى- وانتقاك؛ الله رب العرش العظيم..!
صلوات ربي وسلامه عليه! اللهم وفِّر حظَّنا من معرفتك ومعرفة نبيك..
وما تَعظُم في قلب مؤمن معرفة الله؛ إلا وعَظُمت معرفته بمحمد بن عبد الله، ولا تقوى في قلب مؤمن معرفة الله إلا وقويت معرفته بمحمد بن عبد الله،
خطاب الله لنبيه السراج المنير
فهو السراج المنير كما قال العلي الكبير: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ..) وشفت الخطاب بالإجلال والتعظيم مِن مَن؟ من الله لحبيبه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)[الأحزاب:45-46]. فكل مَن يُشرِق عليه نور معرفتنا؛ فمن سراجك، كُلُّ مَن يُشرِق عليه نور هدايتنا فمن سراجك، كُل مَن يُشرِق عليه نور قربنا فمن سراجك (وَسِرَاجًا مُّنِيرًا).
صَلِّ يا ربي على السراج المنير والبشير النذير، واجعلنا من أهل اتباعه حقيقة، أدخلنا فريقه، واسقنا رحيقه.
الرحمة الكبرى التي تفضي لنعيم الأبد
فيَا فردا من أُمَّة هذا النبي: اصدق مع الإله؛ في: خضوعك لجلاله -تعالى في علاه-، ومعرفتك بقدر مصطفاه، الذي أمره أن يُبَيّن لك هذه الحقيقة بعد أن قال -جلَّ جلاله-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ..) ولكن الرحمة الكبرى التي تُفضِي إلى نعيم الأبد تُعطيها مَن؟ قال: (..فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ..) تحديدا: (..الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ..) ومَن كتبه في التوراة والإنجيل؟ قال أنا حدّثتكم، ما أنزَل كتاب على نبي من الأنبياء إلا وذكر فيه خاتم النبي وذكر فيه سيد المرسلين مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ..) من عند الله مرسل، فمن ذا بيجي ويصلِّح لنا نظام أحسن؟ (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ..) ايش عاد باقي؟ محتاجين إرشاد مَن؟! أين تذهب العقول؟! (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ..) قال هو مفتاح رحمتنا، ووضع الإصر نسبه إليه الله، الله وضع الإصر ولكن بواسطة هذا. (وَالْأَغْلَالَ): الأثقال التي كانت في الشرائع في علومهم السابقة رُفعِت على يد هذا (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ..)
تعظيم النبي محمد ونصرته
(..فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ..) اجعلنا منهم (..وَعَزَّرُوهُ..) اجعلنا منهم، يعني عظّموه وأجلّوه..
إذا واحد يدّعي الإيمان به ويقول هذا مثل ساعي بريد! ساعي بريد؟ بريد مَن؟ مِن عند مَن؟!
ولو كان ساعي بريد من عند واحد يعزّ عليك مخلوق مثلك كتب لك في البريد الذي أرسله معه: أكرم صاحبي حامل هذا الكتاب، كيف يكون حالك معه؟ وهو مخلوق مثلك! وهذا جاء مِن عند مَن؟ وجاء بإيش؟ جاء بوجوب الإيمان به، وبوجوب اتباعه، وأن في اتباعه محبة الله، وأن لا إيمان إلا بالخضوع له!
ما تعرف قدر محمد؟ يا ربي صلِّ على محمد ﷺ (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ..) اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم! وإن كثيرا من أتباعه -ومن يدّعي اتباعه اليوم- ينصرون طريقة يهود ونصارى وكفار! وعلى منهجه وسُنَّته! وسط ديارهم أو وسط مناسباتهم أو في أزيائهم أو في معاملاتهم!
اُنْصُر محمدا!
(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ..)
حقيقة إجابة داعي الله
ثم أمره أن يخاطبنا مباشرة في بيان هذه الحقائق: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ..) قل لهم! قل لهم! خاطِب! (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ..) أنا ما جئتكم من عند مفكرين ولا من عند سياسيين ولا من عند مصنعين ومخترعين، جئتكم من عند المُكَوّن المبدئ البارع الفاطر للسماوات والأرض! (..الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[الأعراف:157-158].
اللهم اجعلنا من المهتدين، اجعلنا من أهل اتباع الحقيقة..
وصول هذا النور إلى أبعد بقاع الأرض
وبارك في هذه النيات. وإن كان من أبعد المناطق (نيوزيلندا) من جهة المسافة عن المكان؛ فلها قرب من حيث وصول النور إليها أيضا، وما بقي من الأرض كله لابد ان يصل إليه هذا النور، ولكن الله يختار الذين يوصلونه. الذين يؤثرون نفوسهم وأنفسهم وشهواتهم.. على جنب، لكن الذين يؤثرون الله، الذين يحبون الله ورسوله، الذين يبذلون من أجل الله؛ هم على يدهم يتم الله هذا الخير وينشر هذا الخير في شرق الأرض وغربها.
فقد رشّحوك لأمر لو فَطِنْتَ له ** فَارْبَأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ !
سنوات معدودة على بناء هذا المكان، واليوم آثاره هنا وهناك في شرق الأرض وغربها؛ بعناية الحق -جلَّ جلاله- وببركة هذا الذي أُرسِل ونُبِّئ خاتم للنبيين، وببركة سند قوي إليه متصل.. كُلّه مقربون، كله عارفون، كله وَرِعون، كله زاهدون، كله مُنِيبون، كله خاشعون، كله متواضعون، كلهم قُوَّام بالليل، كلهم أهل صدق وإنابة، كلهم كانوا يبكون من خشية الله -عليهم رضوان الله تعالى-.
فالحمد لله..
الاغترار بما سوى الله
واخترنا يا رب ولا تستبدل بنا غيرنا، لأنه قال: (هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم)[محمد:38].
وأُناس في الأماكن هذه سيُسَابقهم ناس من أبعد الأماكن -من حيث المسافة عن هذه الأرض- سيسبقونهم في الدنيا، وسيسبقونهم في البرزخ، وسيسبقونهم يوم القيامة؛ لأنهم أعرضوا، لأنهم تولّوا، لأنهم اغتروا.. اغتروا بأحزاب، اغتروا بهيئات، اغتروا بخطط إبليسية، اغتروا بشيء من هذه الدنيا، اغتروا بشيء من هذه السياسة، وما راعوا حقَّ النداء الرباني، ولا أخذوه على وجه الفهم بطريق سند صحيح متصل إلى صاحب الوجه المليح، الوجه الصبيح، الحبيب النَّصِيح.. صلى الله وسلم على آله وصحبه ومن سار في طريقه الحق الصريح. وجعلنا وإياكم من أتباعه حقيقة، وأشهدنا ظهور هذا النور في مشارق الأرض ومغاربها..
إقامة الفتن لهدم قواعد الإسلام
وفي بعض أواخر اجتهاداتهم وإرادتهم قصدوا كثير من البلاد العربية لأجل هدم قواعد الدين وأصل الدين في العقول وفي القلوب، وعملوا فتنا كثيرة كما ترونها وتسمعونها (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الأنفال:30]، (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا)[الطارق:15-16].
وستقوم حقائق الإسلام في الأماكن المباركة، ومن حيث بُعث ﷺ، ومن حيث انتشر في القرن الأول، وسيصل إلى أماكن لم يصل إليها من قبل، وسيعم شرق الأرض وغربها، ويقضي الله ما يشاء.
(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات:171-173].
أهل الوكالة الربانية
وهناك حوادث ستحدث في هذا العالم إلى آخر الزمان، نقرأها أيضًا فيما حوى الحق: بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا)[الفتح:1-3].
(فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)[الأنعام:89-90].
تعرف أصحاب الوكالة هذه؟ ومن الذي وكّلهم؟ (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا) هؤلاء القوم الذين يكذبونك.. دعهم، سأختار من بين أمتك قوما أوكّلهم بهذا (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ..) ونِعمَ القوم (..أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ).
ومن هؤلاء؟ قال: "اللهم ارحم خلفائي" وكلاء هؤلاء (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا) شفت الوكالة في القرآن نصَّها؟ (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ). مَن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال:
-
"قوم يأتون من بعدي يتعلمون سنتي ويعلمونها عباد الله"،
-
وفي رواية: "يروون أحاديثي ويعلمونها عباد الله"،
-
قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله..."، "عدوله": عدول كل خلف! والمعنى: كل خلف في أي زمان فيه عدول موجودون، وهم الذين يحملون الأمانة هذه، وهم الوكلاء هؤلاء، هم أهل الوكالة الربانية "..ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".
-
"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق"،
-
"في كل قرن من أمتي سابقون"،
-
"إن الله يبعث في هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد للأمة دينها".
صَدَقﷺ، ولا أصدق منه..
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ** به موقنات أنَّ ما قال وَاقِعُ
وفينا رسول الله يتلو كتابه ** …
فامتلئوا بـ: الإيمان واليقين والتعظيم، والانبعاث للهمة أن:
-
تسلكوا منهج الله،
-
تستقيموا على صراط الله،
-
وتتبعوا سبيل الله،
-
وتقتدوا بمحمد بن عبد الله،
-
وتُحسِنوا الدين بدين الله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-
(صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)[البقرة:138].
قَوِّ إيماننا يا رب..
دعاء وتضرع إلى الله
وبارك لنا في رجب وبقيّة لياليه وأيامه..
يا الله: ثلثه قد رحل عَنَّا، فبارك لنا في الثلثين الأخيرين من هذا الشهر الكريم!
وبارك لنا في شعبان، وزيارة النبي هود في هذا العام اجعلها من أبرك الزيارات، وأنور الزيارات، وأسعد الزيارات، وأقوى الزيارات، وأشرف الزيارات، وخير الزيارات، وأنجح الزيارات، وأعظمها فوائد للعالمين، يا أرحم الراحمين. واحفظ جميع الزائرين في حطِّهم ورحيلهم، وذهابهم وإيابهم، ولا تُعِد أحدا منهم إلا مُزَودا بنور إيمان وتقوى وصدق معك في ما بقي من عمره، يلقاك وأنت راض عنه،
وبلِّغنا رمضان، وبلِّغنا رمضان، وبلِّغنا رمضان، في عوافي كوامل، ومِنَن غَوَامِر، وفواضل وفضائل من جودك الواسع، يا خير مُنِيل، يا من يعطي الجزيل، يا ربُّ يا وكيل، يا إله يا كفيل، بحبيبك الدليل ثبِّتنا على أقوى من السبيل.. في دربه، وفي حزبه؛ حتى تسقينا من شُربِه، اللهم اسقنا من شربه، اللهم اسقنا من شربه، واجعلنا في حزبه، وثبِّتنا على دربه، وأهلينا كلهم، وأولادنا كلهم، ولا تقطعنا عن ذلك بشيء من هذه التُّرَّهات، ولا ما يعرض للناس في هذه الحياة.. والزخرف والغرور، يا الله لا تقطعنا بشيء، واقطع عنَّا كل قاطع، وادفع عنَّا كل مانع، وأوصلنا إلى المقام الرفيع، في مرافقة الحبيب الشافع؛ حتى نرافقه يا الله في الحياة وفي البرزخ ويوم القيامة وفي دار الكرامة، وأَنْعِم علينا بأعلى المرافقة له: في ساحة النظر إلى وجهك الكريم.
يا كريم، يا كريم، يا كريم: لا تدع أحدا من الحاضرين والسامعين والمشاهدين؛ إلَّا قسَمْت له بحَظٍّ وافر من خِلَعِ اليقين والتمكين.
يا الله.. يا الله، نسألك ونطلبك، ونُلِح عليك، ونُكَرِّر السؤال عليك، يا من يحب الملحين في الدعاء: أكرمنا والحاضرين والسامعين والمشاهدين والموالين.
وتدارك هذه الأمة، وأَغِث هذه الأمة، واكشف الغمة، وفرِّج الكروب، وادفع الخطوب، ورد كيد المعتدين الظالمين الغاصبين، فرِّق جمعهم، وشتِّت شملهم، واجعلهم في الغابرين..
ولا تبلغهم مراد ونارهم تُصبِح رَمَاد ** بـ كهيعص في الحال ولّوا خائبين
يا مُنزِل الكتاب، يا سريع الحساب، يا مُنشئ السحاب، يا هازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، اجعل كيدهم في تضليل، واجعلهم كعصفٍ مأكول، يا حي يا قيوم، عجِّل بهداية مَن سبَقَت له منك العناية، اللهم ومن سبَقَت عليه الشقاوة فعَجِّل بدحره وقمعه وقطعه وإبعاده وإضعاف ضره وشره عنَّا وعنا أهل "لا إله إلا الله".
يا قوي يا متين، أنت المستعان، عليك التكلان، أنت العُدَّة، وأنت الملجأ، وإليك اللجأ، وأنت المنجا، وبيدك الأمر كله (عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الممتحنة:4-5]، (فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[يونس:85]، (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[آل عمران:147].
الله الله يا الله لنا بالقبول..
10 رَجب 1446