مدارك خطاب الحق وندائه في قوالب الأيام الفاضلة والنوازل والشدائد وواجب المؤمن فيها

للاستماع إلى الخطبة

خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن جفيظ في جامع التوفيق، بحارة التوفيق، عيديد، مدينة تريم، 20 شوال 1446هـ بعنوان: 

مدارك خطاب الحق وندائه في قوالب الأيام الفاضلة والنوازل والشدائد وواجب المؤمن فيها

الصورة

 

كيف تكون محاسبة النفس طريقاً للنجاة مما حل بالمسلمين؟ (فوائد مكتوبة من الخطبة):

https://omr.to/K201046-f

لتحميل الخطبة (نسخة pdf):

https://omr.to/K201046-pdf

نص الخطبة:

 

الخطبة الأولى :

    الحمد لله، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الحي القيوم، البصير السميع القوي القدير العليم. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نتنقَّى بها عن قصد سواه وإرادة من عداه، ونرقى بها إلى أعلى مراتب الوفاء بعهده والظفر بِرضاه.

وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، ونبيه وصفيه وخليله، فضّله وقدَّمهُ على جميع من سواه، فسبحان من أعلى قدره واجتباه واصطفاه. 

اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرم على عبدك المبلِّغ عنك أحسن البلاغ، المبيّن بخير التبيين، سيدنا محمد المجتبى المصطفى الأمين، وعلى آله وأهل بيته الطاهرين، وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين، وعلى من والاهم فيك واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى ملائكتك المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،،،

    عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، وإنً الواعظين بها كثير، وإن العاملين بها قليل.

تعاقب الليالي والأيام على المسلم:

   أيها المؤمنون بالله، يتلقى المؤمن خطاب ربه ونداء إلهه - تعالى في علاه - في قوالب الآيات والأحاديث والأزمنة والأحوال التي تمر به، فمن أجلِّ وأجلى ما يُدرِك به العبد من نداء الله مدارك: حلول الأيام الفاضلة والأشهر الفاضلة به وبلوغه إلى شيء منها، ونزول النوازل التي تنزل من الشدائد والآفات، وهي المُذكِّرات بعظمة الله جل جلاله وبحكمته وبقدرته، والمُنبِّهات للذين آمنوا به أن يتباعدوا عن أسباب نزول تلك الاختبارات والامتحانات والبلِيّات، من الذنوب والمعاصي الظواهر والخفيات، تحت استجابة لنداء عالم السر وأخفى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ).

رحيل رمضان واستقبال أشهر الحج:

ولقد حل علينا شهر رمضان حتى ارتحل وانتهت أيامه ولياليه، تقبل الله منا ما وفقنا من الخير والعمل الصالح فيه، وأعادنا إلى أمثاله، ولا جعله آخر العهد به في لطف وعافية وصلاح لأحوال المسلمين، ووهب منه لنا فوق ما نرتجيه.

واستقبلتنا أشهر الحج، وهنا نحن تتوالى علينا ليالي وأيام وأسابيع الشهر الأول من أشهر الحج وهو شهر شوال، وقد مضى علينا أكثره وبقي الثلث منه، ولنستقبل بعده شهري حجٍّ وهما من الأشهر الحرم، ونستقبل الثلاثة السَّرد من الأشهر الحرم.

وفي هذا نداءات.. بلّغكَ الحق تعالى شهر الصيام والقيام حتى استوفيت أيامه، فله الحمد، فعسى أن قَبِلَ مِنا ما كان من توفيقه لنا، وتجاوز عنا ما كان من تقصيرنا. 

ثم أمتعك في أيام العيد حتى وصلتَ إلى أواخر شهر شوال، وهذا نداء منه كيف أوصلَك إلى هذا وقد قطع كثيرا، وقَطعَت الآجال كثيراً من أمثالك فلم يُدركوا تلك الأيام ولا هذه الأيام؟

استثمار قبول رمضان لما بعده من أيام:

وها أنت توَدِّع شهر شوال، عسى أن تكون قد استثمرت من قبولك في رمضان في خلال هذه الأيام والليال، ما ثبتَ به قدمك على حسن الامتثال لأوامر ذي الجلال، والانتهاء عن زواجره وما زجرنا عنه خاتم الأنباء والإرسال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

فتلك علامة المواصلة الكريمة من حضرة الله جل جلاله لك أيها المؤمن، وحصولك على هِباته العظيمة، (كَمَا كُتِبَ) أي الصيام (عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، فتخرج بِحُلّة التقوى من ذلك الشهر تقابل بها بقية الأشهر.

الأشهر الحُرم (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) :

وببلوغنا إلى نهاية هذا الشهر ثم استقبالنا لما بعده من الأشهر، فيه من الله خطاب ونداء: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)، فلا تظلموا في خلال هذه الأشهر أنفسكم.

  • إن المُصِر على المعصية ظالم لنفسه.

  • إن المُقَصِّر في تربية أهله وأولاده على أوامر الله والبعد عن نواهيه ظالم لنفسه.

  • إن الذي يُقِرُّ نفسه على قلة الحضور في الصلوات والخشوع فيها مرة بعد أخرى ظالم لنفسه، وظُلم الذي تهاون بالصلاة أكبر وأشدّ وأعظم.

  • إن الذي يرضى لقلبه أن يحمل الشحناء على أحد من المؤمنين بأي ذريعة ووسيلة وتخييل يُخَيّله إبليس ونفسه له ظالم لنفسه، (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ).

سبب تسلط الأعداء :

وما هو نازِلٌ بالمسلمين من الشدائد وتسلُّط المجرمين المعتدين الظالمين؛ حتى وصلوا إلى المجاهرة بتقتيل الأطفال والنساء بل ودفن بعض الأحياء، وهدم المساجد والمستشفيات إلى غير ذلك مما ترون وتسمعون، مُذكِّرات تحمِل نداءً للمؤمن من رب الأرض والسماوات: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).

فما تلبِيَتك لنداء الله؟

وما وعيك لخطابه من خلال إدراكك لهذه الأشهر ونزول النوازل بساحات المسلمين؟

وما ترى بينهم من تشتُّت، وما ترى بينهم من تباغض وتباعد هو سبب تسليط الأعداء عليهم.

وبالعموم، كل إقرارهم لأنفسهم على مخالفة الله في ترك الفرائض وفعل المُحرَّمات هو سبب نزول البلاء عليهم وتسليط عدوهم.

(قل هو من عند أنفسكم) :

ومتى رجعوا إلى دينهم وقاموا بِحَقّه، فإن الجبار جعل العزة له ولرسوله وللمؤمنين، (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا)، (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ)، قل هو من عند أنفسكم؛ تساهلكم بأوامر الله، تجرُّؤكم على ما حرم الله عليكم. 

ما يستمر في البيوت من قطيعة أرحام، أو عقوق والدين، أو شحناء وبغضاء، أو تفرُّج على المناظر القبيحة الخليعة من قِبل الصغير والكبير في البيت والذكر والأنثى؛ أسباب هلاك، أسباب فتن، أسباب نزول عذاب، أسباب تسليط الأعداء. 

فكيف بإهمال الصلوات وترك الفرائض؟

(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) .

 (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) .

   أيها المؤمنون بالله، إقرار النفس على إهمال أمر الله، وترك الأولاد تتخطفهم أيدي الإغواء والإضلال والإفساد؛ حتى يقعوا في المخدرات والمسكرات، وحتى يتركوا الفرائض والصلوات، وحتى يعتادوا السباب واللعنات، مصائب هي سبب البلاء ونزوله، (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ).

أسباب نزول الضر والبلاء :

استجب للنداء يا مؤمناً بالعلي الأعلى، عالم ما خفي وما بدا، جل جلاله.

استجب للنداء، ولا تكن سبباً في إنزال الضُّر بالمسلمين، وإنزال الهزيمة بالمسلمين، وتسليط أعداء الله وأعداء رسوله على المسلمين.

    أيها المؤمنون، (وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)، ولولا ذلك لعَمَّ الناس العذاب، (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى).

فتذكّر واستبصِر، واستمع نداء القوي القادر، السميع البصير اللطيف الخبير العليم القدير جل جلاله، ولا تكن أنت ولا أسرتك ولا بيتك سبباً من أسباب نزول البلاء، ولا سبباً من أسباب حصول الداء.

تيقظ القلوب والاستجابة للنداء:

  يا أيها المؤمنون بالله، تيقُّظ القلوب لنداء علام الغيوب: 

  • يُنزِّهها عن العيوب، 

  • وبه تكشف عنهم الكروب، 

  • وتصلح أحوالهم في الدنيا والبرزخ وفي يوم تُقلَّب فيه القلوب. 

(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) .

ختام الخطبة الأولى :

اللهم كما بلّغتنا رمضان وتمامه وبلّغتنا أكثر أيام شهر شوال، فاجعلنا من المقبولين المُتنورين المُتطهرين، الظافرين الرابحين الفائزين.

وبلّغنا اللهم ما بقي من أشهر الحج والأشهر الحُرم، وأوصلنا إلى أمثال رمضان في عوافٍ وصلاح، ولا تجعل فينا ولا في أهلينا سبباً لنزول البلاء ولا لحصول الشدائد.

اللهم فرج كروب الأمة، واكشف الغمة، وعامِل بمحض الجود والرحمة، واجعلنا سبباً لنزول الرحمة وحصول الخير منك والنعمة، يا حي يا قيوم يا أرحم الراحمين.

والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) . 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ‎* يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ‎*‏ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ‎* يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‎* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم. 

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

   الحمد لله مُحوِّل الأحوال، والمُتصَرِّف في الأيام والليال، من بيده أمر الحاضر وأمر المآل.

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، ونوره الساطِع المُتلال. 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك المصطفى الذي ختمتَ به الأنبياء والإرسال، وجعلته في خلقك سيد أهل الكمال، وعلى آله خير آل، وعلى صحابته الميامين الأبطال، وعلى مَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم المآل، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين رفعتهم في المراتب العَوال، وعلى آلهم وصحبهم وأتباعهم والملائكة المُقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

مظاهر تقوى العبد لمولاه:

أما بعد،، 

   عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله. ومن مظاهر تقواه:

  •  محاسبتنا لأنفسنا في أحوالنا وقد أدركنا من الأشهر، ومرَّت بنا من الأعمار ما مر، 

  • وأن ننتهج أن نتسبَّب في الصلاح ونزول الرحمة على عباد الله، 

  • وأن لا نستكين لفاجر ولا كافر، 

  • ولا يُخرجنا عن كمال الثِّقة بالله والأدب معه شدائد ولا نوازل. 

(فَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ‎* وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ‎* فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). 

جل جلاله وتعالى في علاه.

وصية لاستقبال الاشهر الحُرم:

    أيها المؤمنون بالله، 

  • لنتفقَّد أحوالنا، ولا نأسى على ما فاتنا، ولا نفرح بما أتانا، 

  • وليكن فرحنا برحمة الله وفضله، وتطهيره لقلوبنا وتوفيقه لنا أن نعمل على ما يرتضيه منا: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).

  • ولنثِق به وبوعده نصرَ رسوله محمد، ونسأله أن يجعلنا من خواص الأنصار له ولرسوله؛ بالأقوال والأفعال والنيات والمقاصد والأموال والأنفس وما آتانا، إنه أكرم الأكرمين. 

  • ولنأخذ نصيبنا من حُسن التدبر والتذكر في هذا الخطاب من الله لنا، في مرور الأيام علينا وفي نزول النوازل المُذكرات.

  • ولنلجأ إليه، (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا).

  • ولنتضرَّع مُوقنين أنه الذي يُقدِّم ويؤخِّر ويضرّ وينفع، ليس لغيره في الملك والملكوت شيء، وهو القدير على كل شيء والمحيط بكل شيء - جل جلاله وتعالى في علاه - 

  • ولنأخذ نصيبنا من أيامنا وليالينا بكسب مرضاة بارينا، وعملنا بشرعه وإقامة نور منهاج نبيه في أنفسنا وأهلينا وأسرنا، بأن لا نغفل عن حسن امتثال الأوامر واجتناب النواهي والزواجر في الباطن والظاهر.

  • وأن نتضرّع ونُلِح على الله ونسأل، ونثق به ونعتمد عليه ونتوكل عليه، (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) .

إن نصر الله قريب:

 ولا نستعجل المآلات والمصير والعواقب، (إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).

وإذا اشتدَّت أزمة كانت مُبشِّرة بقدوم رحمة ورفع النقمة وبسط النعمة. 

واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً.

فلنعُد ولنرجع إلى من بيده الأمر، ولنُلح عليه ولنسترضيه باتباع حبيبه ومصطفاه، فيما جاءنا به عنه جل جلاله.

ختام الخطبة الثانية :

اللهم اجعلنا وأهلينا أسباباً لنصر المسلمين، وجمع شمل المسلمين، والتأليف بين المسلمين، ونزول الرحمة على المسلمين. 

ولا تجعل فينا ولا في بيوتنا سبباً للنقمة ولا سبباً لنزول العذاب والبلية. 

اللهم اكشف عنا كل رزية، واغفر لنا كل ذنب وخطيئة، يا أرحم الراحمين.

وباب من أبواب نزول الرحمات وانفراج الشدائد والأزمات، إدامة الصلوات والتسليمات على خير البريات. 

فإن رب الأرض والسماوات يصلي على من صلى على نبيه بكل صلاة عشر صلوات. 

وقد قال مبتدئاً بنفسه ومثنياً بالملائكة ومُؤَيِّهًا بالمؤمنين، قال تكريماً وتعظيماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك الهادي إليك والدالِّ عليك، سيدنا محمد نور الأنوار وسر الأسرار. 

وعلى الخليفة من بعده المختار، مؤازره في حاليي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق. 

وعلى الناطق بالصواب، حليف المحراب، ناشر العدل أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب. 

وعلى الناصح لله في السر والإعلان، من استحيت منه ملائكة الرحمن، مُحيي الليالي بتلاوة القرآن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.

وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، ليث بني غالب، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.

وعلى الحَسَن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيّك بِنَصّ السنة. 

وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا وأمهات المؤمنين. 

وعلى الحمزة والعباس، وسائر أهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الرجس والأرجاس. 

وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وعلى سائر الصحب الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

الدعاء :

اللهم أعِز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذِل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمِّر أعداء الدين، اللهم اجمع شمل المسلمين.

 اللهم إن حوادث الزمان ناطقة بإقبال الأمة على مرحلة قال عنها نبيك يتحول الناس فيها إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق وكفر لا إيمان فيه.

اللهم فاجعلنا وأهلنا وأولادنا في فسطاط الإيمان الذي لا كفر فيه، ولا ترمِ بأحد منا إلى النفاق ولا إلى الكفر، وتولنا في السر والجهر.

 اللهم اعصمنا من الفتن، وادفع عنا البلايا ما ظهر منها وما بطن.

اللهم تدارك المسلمين في غزة وفلسطين والشام واليمن والشرق والغرب، واكشف الشدائد عن أهل لا إله إلا الله، واجمع شملهم وألِّف ذات بينهم، وأحيِ فيهم سنة نبيك محمد، وارزقهم امتثال الأوامر واجتناب النواهي والزواجر في الباطن وفي الظاهر، حتى تنصرهم يا خير ناصر، وتدفع عنهم جميع الشرور والآفات والمحاذر. 

اللهم لا تصرفنا من الجمعة إلا بقلوب عليك أقبلت بصدق، ودخلت في دوائر أهل السبق من عبادك الذين وفوا بعهدك ونالوا شريف محبتك وودك.

 اللهم نزِّه قلوبنا عن التعلُّق بمن دونك، واجعلنا من قوم تُحبّهم ويحبونك، واغفر لنا وآبائنا وأمهاتنا ووالدينا ومشايخنا في الدين وذوي الحقوق علينا، وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، يا غافر الذنوب والخطيئات.

اللهم وعجِّل بالفرج، وارفع الضيق والحرج، وقوِّم كل مِعوَج، وافتح في الخير الباب المُرتَج، وتولنا بما توليت به من في منهج الصدق انتهج، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) 

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

(رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) . 

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.

تاريخ النشر الهجري

20 شوّال 1446

تاريخ النشر الميلادي

18 أبريل 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

الأقسام