(228)
(574)
(536)
(311)
مذاكرة الحبيب عمر بن حفيظ في حولية الإمام العلامة الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر، رحمه الله، في منطقة مسيلة آل شيخ، جنوب مدينة تريم، صباح الأحد 17 ربيع الثاني 1446هـ
تقبل الله منا أجمعين، ونظر إلينا بِعين رأفته ورحمته وعطفه، حتى يُدخلنا في دوائر أهل الصدق معه، الذين لا تمشي في أسواق الرحمن إلا بضاعتهم، ولا في سوق يوم القيامة إلا بضاعتهم، قال ربنا جلَّ جلاله: (قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ).
بالعناية من الرحمن حضرنا وحضرتم، مع من حضر من أحبابنا ومناصبنا وصغارنا وكبارنا وطلبة العلم فينا وعوامنا، وأهل الظاهر وأهل الباطن، اللهم لك الحمد فاكتب لنا التوفيق وألحِقنا بخير فريق، واجعلها ساعة من ساعات التطهير للضمير، والتنقية والتنوير، حتى نثبت ونسير على أحسن مسير، لنلقى خير مصير.
وهذا المصير الذي عرفتم من لقيه من أصحابكم ومن جماعاتكم، رُبما الواحد منكم يعرف منهم أكثر ممن يعرفهم ممن لا زالوا على قيد الحياة في هذه الدنيا، الذين يعرفهم كانوا يقولون: لا يبلغ أربعين سنة إلا والذين يعرفهم من الأموات أكثر مِمن يعرفهم من الأحياء، في زماننا من قبل الأربعين سنة الذي يعرفهم كثير ممن انتقلوا من هذا العالم وممن خرجوا من هذه الحياة.
وكل واحد منهم تذكرة لنا والثاني تذكرة والثالث تذكرة والرابع تذكرة، وألف تذكرة ومئة ألف تذكرة، ولا تتذكر؟! تنام في ليلك، تغفل عن ربك، تترك واجبك مع أهلك وأولادك، تُقصِّر في القرآن وتلاوته وتدبّر معانيه، تُقصِّر في مراقبة قلبك مع باريك جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
وهذه التذكرات كلها والقرآن تذكرة والسماوات تذكرة والأرض تذكرة، وكل ما حواليك يُذكِّرك بهذا الإله الحق جلَّ جلاله وتعالى في علاه، (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
ويا فوز من مات منهم على الإسلام والإيمان، ويا فوز من مات منهم على المحبة والشوق إلى الرحمن، ويا فوز من أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه.
قبل ست وأربعين سنة في هذا الموطن، قام حبيبنا محمد بن علوي بن عبد الله بن شهاب عليه رحمة الله تبارك وتعالى يُذكِّر بهذه الأمائن التي ورثوها: أمائن الصدق، أمائن التواضع، أمائن الإخلاص، أمائن الخضوع، أمائن الخشوع، أمائن النقاء، أمائن الطهارة، يُذكِّر ببعض مناقب الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر، وذكر الجنة كثير، وذكر تغير الزمان وتنكّره.
وسمعته قبلها بأسبوع يقول: عاد حد يتمنى الجلوس بين ظهراني هؤلاء أو البقاء، وإن آخر الزمان ينتقي خيار الناس ربك، وقام في نفس المكان بعد عشر دقائق من المذاكرة جلس، وقال نحن عندنا مرض ما خرجنا إلا لأجل عبد الله بن حسين يالله بالتوفيق، ووضع رأسه في هذا الجدار وانتهى، فاضت روحه، قام ولده الحبيب عبد الله يكلمه: يابا يابا، والرجل قد رحل عليه رحمة الله تبارك وتعالى.
حتى قضى النَّحبَ يدعو الناس مُحتَسِبَاً ** في حضرة الصِّيد مَن للخالقِ امتثلوا
أكرِم بذا من خِتَامٍ فيه مفخرةٌ ** وفيه رجوَى وفيه القَصْدُ والأَمَلُ
عبر الحياةِ مضى للنُّصحِ مُحتَضِنَاً ** لا تعتريهِ مشقَّاتٌ ولا مَلَلُ
خوفًا لمولاه لا في سُمعةٍ ورياء ** فبينه ورياء البِيد والقُلَلُ
عليهم رحمة الله تبارك وتعالى ورضوانه، ويا الله بها يا الله بها يا الله بحسن الخاتمة.
يا ربنا يا من جمعتنا على هذه الخيرات اكتُب لِكُل منا كمال حسن الخاتمة، واكتب لجميع من في ديارنا كمال حسن الخاتمة، واكتب لجميع أصحابنا وطلابنا كمال حسن الخاتمة، يا الله بها يا الله بها يا الله بحسن الخاتمة.
من تذكرته لنا يقول في كلامه:
فالموت آتٍ عن قريب ** كُلٌّ له منه نصيب
مَن كان دانٍ أو نسيب ** فهو مصيبة عامة
ثم إذا متَّ أتوك ** وغسّلوك وكفّنوك
وشيّعوك وألحدوك ** وصرت جيفة خامّة
يا ربِّ كُن لي معين ** إذا رشح عظم الجبين
واختم إلهي باليقين ** من قبل لوم اللائمة
ومع اجتهاداته وأعماله يقول:
يا ربِّ ما معنا عمل ** وكسبنا كله زلل
لكن لنا فيك أمل ** تُحيي العظام الرامة
وبرجاء الراجين اكتبنا يا مولانا في المقبولين، ولا تصرف منا أحدًا إلا مُوفقًا للخيرات، صادقًا معك في الظواهر والخفيات، يا رب الأرضين والسماوات، لك خلع تخلعها على من سبقت له سوابق السعادات، وها نحن بين يديك والحال لا يخفى عليك، فنظرة من نظراتك ورحمة من رحماتك يعم خيرها الوجود.
يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين ** فرِّج على المسلمين.
وبارك لنا في صدق الإقبال عليك والوجهة إليك، واحفظ لنا سر الاتصال بحقائق الوحي والإنزال، وخاتم الأنبياء والإرسال، وما وُرِث عنه من شؤون وأحوال، وما قام به أهل مقام الصدق بعده حالًا بعد حال وزمانًا بعد زمان، وجيلًا بعد جيل على ممر الأجيال.
ولا تحرمنا خير ما عندك لشر ما عندنا، واحفظ على أهل حضرموت سر الإقبال والوِجهة والاقتداء بأهل المراتب العلية، والحفظ من موجبات الحسرة والندامة في الدنيا ويوم القيامة، وأعلِ درجات المُتقدمين في هذه المنازل وفي هذه الحوليات وفي هذه المناسبات، واجمعنا بهم في دار الكرامة.
فيا رب واجمعنا وأحبابًا لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
فضلًا وإحسانًا ومنًّا منك يا ** ذا الجود والفضل الأتم الأوسعِ
وأصلح شؤون الأمة أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
17 ربيع الثاني 1446