(228)
(574)
(536)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مجلس الذكر والتذكير في حولية الإمام عمر بن عبد الرحمن العطاس، في رباط الفتح بمدينة حريضة، وادي حضرموت، ظهر السبت 23 ربيع الثاني 1446هـ بعنوان:
عز الإيمان والتقوى والنظام الإلهي لتقويم الأسر ومسالك الحياة لنيل سعادة الأبد
الحمد لله ذي العَطفات والنفحات، يأخذُ بها قلوب من سبقت لهم السعادات، إلى نَيل الحسنى والزيادات، وجعل لها عناوين في هذه الحياة من المقاصد والنيّات، ثم من الأخلاق والصفات، ثم في الأقوال والمعاملات، تدلُّ على سوابق السعادة للسعداء، تثبتُ بها قلوبهم وأقدامهم على سبيل الهَدى.
(قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ)، وإلا فكل مُكابر على رأسهم إبليس يقول إن الهدى هداه، وإن الأمر له في التوجيه، وأن الحق له في الاستتباع، وخلفاؤه من شياطين الإنس والجن يُنازعون ربنا ورسوله على قلوبنا وعلى وجهاتنا وعلى اخلاقنا وعلى معاملاتنا، يقولون لنا: نحن أحق من ربكم ومن رسولكم، نحن نوجّهكم، هذا نظامنا فاتبعوه، ولن تسعدوا في الحياة إلا باتباعنا.
افتروا وكذبوا (إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)، (قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ) جلّ جلاله وتعالى في علاه، وكل ما خرج عن هدى الله وخالفه: فكراً وقولاً وفعلاً ومعاملةً؛ فباطل وضلال وظلام وشر، بلا يقين ولا ريب.
ولقد جعل الله خير الدنيا والآخرة في تقواه وطاعته، وجعل شر الدنيا والآخرة في معصيته ومخالفته، بلا ريب ولا شك، عقيدة عند المؤمن بالله جلّ جلاله، لا يجوز أن تتزعزع ولا أن تهتز، ما مِن خير في الدنيا والآخرة إلا سببه تقوى الله وطاعته جلّ جلاله وتعالى في علاه.
وفي العمق في تقوى الله وطاعته قام بنيان عمر بن عبدالرحمن العطّاس على أقوى أساس، وكان في خيار الناس الذين صدقوا مع رب الناس، فبذل النفس والنفيس والروح.
سمعتم عنه ما ذكر الإمام علي بن حسن العطّاس صاحب المشهد أنه لم تجب عليه الجمعة، بمعنى طول هذه السنين ما طلع فجر يوم الجمعة وهو في موطنه، وهو في محل إقامة يلزمه فيها الجمعة، ما يطلع فجر الجمعة إلا وهو في بلد لم يُقِم فيها أربعة أيام، لم جمعة بعد جمعة بعد جمعة طول هذا العمر، طول هذه السنين؟!
هَمٌّ حَمَلَه، أمانة قام بِحَقِّها وأدائها، صِدقٌ مع الله، كان منتمي إلى أي سلطان؟ كان منتمي إلى أي دولة من دولهم في العالم في حضرموت أو في اليمن أو في الخارج؟! كان له شرف الانتماء إلى الحق ورسوله، بسلاسل الإسناد في الأخذ والفهم والوعي لأسرار الكتاب العزيز وأسرار السنة الغرّاء.
التي تشرفت بها بيوت أمهات المؤمنين، وقال لهُنّ الرب في كتابه: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)، آيات الله القرآن، والحكمة سنة نبينا محمد ﷺ، تشرفت البيوت، هذه بيوت النبي، بيوت أزواج النبي، يُتلى فيها الكتاب: الآيات والحكمة، (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) يقول جل جلاله وتعالى في علاه: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا).
يذكر هذا الأمر الرباني منه سبحانه وتعالى لرؤوسنا، بيوت نبينا، أمهاتنا أمهات المؤمنين، أزواج نبينا ﷺ، بعد أن أصدر الأوامر بأخلاق وأفعال مُعيّنة، جعل الختام وجعل العاقبة وجعل النهاية هذا التوجيه بذكر ما يُتلى من آيات الله والحكمة، ليكون سياجاً، ليكون سوراً، ليكون إمداداً للثبات على ما وجهّهن له.
فإن هذه الآيات مُوجّهات لبيوت المصطفى ﷺ ومن فيها من أمهات المؤمنين، في أولها يقول جلّ جلاله وتعالى في علاه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا).
تَعِشنَ في عموم المسلمين والمؤمنين لا في خواصهم، ولا في البيوت الرفيعة، ولا في قرب النبوة، اذهبن فلستُن صالحات لهذا المكان إذا دخلت إرادة الدنيا وزينتها في القلب، فإنها بيوت نقاء وبيوت أمانة وبيوت رسالة، لا تصلح فيها إلا القلوب التي لا تريد زينة الحياة الدنيا.
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا)، قرن الفساد بإرادة العلو؛ لأن أكثر الفساد على ظهر الأرض يحصل ممن يريد العلو، من يريد العلو هو الذي ينتشر على يده الفساد، هو الذي يرتكب لُجَّة الفساد والإفساد لأنه يريد العلو، والعلو الذي يريده وَهْمٌ في وهم، وخيالٌ في خيال، ليس له حقيقة رِفعة ولا عزّة ولا شرف في الدنيا ولا في الآخرة.
أي علوٍ ناله الذين كذّبوا سيدنا نوحاً؟ علو أن دُمِّروا ولم يبق منهم أحد، ولم تبق لهم ذرية! وذرية آدم في الشرق والغرب بملايينهم من ذرية الذين حُمِلوا مع نوح في السفينة، ماذا بقي لهم من شرف وعز؟!
أي عزٍ وشرفٍ كان لمن كذّبوا النبي هوداً؟ سخَّرها عليهم ريح صرصر عاتية، (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ)! أي عزٍّ نالوه؟ أي علو نالوه؟ أي شرفٍ نالوه؟ والذين كذّبوا النبي صالحاً كذلك.
والنمرود قُل لي: ما هو العز الذي اكتسبه؟ ما هو العلو الذي حصَّله أو تحقّق له؟ مذكورٌ بالسوء وادِّعاء الربوبية، والنهاية حشرة صغيرة، بعوضة تدخل في أنفه ما عاد يقدر يخرجها، ويصيح منها حتى يموت، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
فأي علوٍ ناله هذا الذي قال في ادّعاء العُلو: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، لما قال سيدنا الخليل إبراهيم: (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، ودعا برجلين، قتل واحداً وترك الثاني، قال انظر هذا أمتُّه وهذا أحييته، أي بقيته حياً، وليس هذا المراد بالإحياء والإماتة، ولكن تركه سيدنا إبراهيم في قصور فهمه ووعيه ونقله إلى أمر واضح، قال له: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ).
ولا يزال هذا النداء يبهت الكفار الذين يدَّعون ويدَّعون ويدَّعون! تصرَّفوا في دورة الكرة الأرضية، تصرَّفوا في شيء من كواكب السماء، بدِّلوا شيئاً من إشراق أو من طلوع أو غروب! والله هم العاجزون، والله هم القاصرون، والأرض تجري من دون إرادتهم، والشمس تجري بدون إرادتهم، بل هم خُلِقوا من دون إرادتهم.
فما هو العلو الذي يدَّعونه؟ يعتمدون على ظواهر ومظاهر من الحياة الدنيا، زوالها قريب وانتهاؤها عاجل، ثم يدَّعون بذلك الفخر والشرف والرفعة والكرامة، ولا شرف ولا كرامة!
أي علوٍّ اعتلاه فرعون؟ قال الله: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ) هذا العُلو الموهوم، ( وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ). هذا علو؟ ما حقيقة هذا العلو؟ هذا ظلم، هذا تعدِّ، هذا تكبُّر وبطر، لكن هذا هو العلو الذي معهم، أصلاً ما يقدرون على غيره، ما يملكون سواه، ليس عندهم علو.
العلو للذين صدقوا مع الله تبارك وتعالى، (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يقول الله، ويقول جلّ جلاله وتعالى في علاه أيضاً في الآية الأخرى: (فَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وفي الآية الأخرى: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ).
(إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ)، أنواع الشرائع جاءت ماهي مُجحِفة ولا متعِبة لطبيعة الإنسان، وإن كان في الإنسان مَن تخلّى وتنقّى وبذل كل شيء، ولكن مع ذلك ما كلّف الله الناس، (وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ * هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِه).
وكُلنا مدعوون على لسان نبينا من قِبَل الله لأن ننفق في سبيل الله: نُنفِق عقولنا، نُنفِق أموالنا، نُنفِق أوقاتنا، نُنفِق أفكارنا، نُنفِق من قوانا وقدراتنا في سبيل الله.
وفي سبيل الله إصلاح أسرتك وبيتك ومن فيه، في سبيل الله حماية ولدك من هذه السباع الضارية التي انتشرت في الجوالات، مِن أصدقاء السوء الذين يُحوّلون البار إلى عاقٍ، ويُحوّلون الصالح إلى طالح، ويُحوّلون التقي إلى شقي، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
في سبيل الله ابذل وأنفِق وقتاً وفكراً واهتماماً بالولد حمايةً له، وإلا عادَ عدواً لك في الدنيا ثم في الآخرة والعياذ بالله تعالى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ)، فكان أول ما خاطب الله أمهات المؤمنين قال: الإرادة في قلوبكن، إن كُنتنّ مُتعلقات بهذه الفانيات فلكُنّ موقع غير موقع القرب من النبوة وصاحبها، غير موقع القرب من بيوت النبي، اذهبن إلى عموم المسلمين الذين يُحاسَبون في القيامة، فمنهم من ينجو ومنهم من يُعذَّب ثم يتحوّل إلى الجنة لكل من مات على الإيمان، أما الدرجات العُلى فلا!
(إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)؛ فإن عَلا بِكُنّ الفِكر والهِمّة والعزيمة: (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ)، تأمَّل (تُرِدْنَ اللَّهَ) تُرِدْنَ اللَّهَ! وهذه الإرادة مقابل ماذا غيرها؟ ما مقابل هذه الإرادة؟
(تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ). أي أصطفي، أصطفي مَن يقرُب من رسلي ومن أوليائي إذا ارتضاني، وأمَيّزهُ عن بقية الخلق، (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ).
فأرسل إليهن رب العرش سبحانه أوامر المسلك والمنهج الذي يمضين عليه، قال سبحانه وتعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)، لا تخضعن: لا تُرَقِّقن أصواتكنّ عند كلام الرجال، هذا كلام من؟ كلام الله، يُقيم لنا سور العفاف وسور النقاء والتقى حتى لا نتحوّل لعبة للشهوات؛ التي لا يجد إبليس سلاحاً أقوى منها ليُهلك الواحد منا، ليُردي الواحد منا، ليوصل الواحد منا إلى عذاب الله.
ما عنده أقوى من سلاح الشهوة، ما عنده أقوى من سلاح شهوات النفس، وأعظم وأخطر شهوات النفس: الفم والفرج، الأكل والكلام واللواط والزنا والفواحش. هذه أشد ما ابتلى الله به الإنسان لِيختبره: أيؤثِره أم يؤثِر شهوته؟ أيُقَدِّم أمره ويستعِف؟ أم يمشي وراء الشهوة ويترذّل؟
(وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً)، قال أهل العلم: لم يقُل "ولا تزنوا" لأن الحرمة والإثم ليس في عين الزنا؛ في القرب منه: ما يُقَرِّب منه من فكر حرام، ما يُقَرِّب منه من مصافحة أجنبية حرام، ما يُقَرِّب منه من سماع أغنية حرام.
لهذا قال: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) ما يُقَرِّب منه من خلوة بأجنبية حرام، كل هذا شرعه الحق جلّ جلاله وتعالى في علاه في هذا البيان العجيب العظيم على لسان رسوله ﷺ.
يقول جلّ جلاله: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) من نظر الحرام وشهوة الحرام، هذا مرض القلب.
(وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)، تكلّمن بالكلمات الشريفة الطيبة البعيدة عن العاطفة، البعيدة عن إثارة الشهوة.
(وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى).
ومسلكُّنّ وراء نبينا (وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، وإذا قمتم بهذه الأوامر يقول: خذوا من الخصوصيات: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
وختمها: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)؛ منهج تقويم الأسر، نظام الواحد الأكبر لأزواج خير البشر، قَوِّم أسرتك بهذا التقويم، سِر بهم في هذا المنهج القويم والصراط المستقيم.
لتنبعث الإرادات: إرادة الله، وإرادة رسوله محمد ﷺ، وإرادة الدار الآخرة، (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ).
وانظر يقول الله لنبيه: الصنف من أمتك الذين تمكّنت إرادتي من قلوبهم هم محل نظري فليكونوا محل نظرك، وابحث عنهم واجلس معهم (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، يجب أن نتعلّم إرادة وجه الله في مثل هذه المجالس، بحضورنا في هذه المحاضر، فإنّ الرحمن بسابق فضله دعتنا دواعي توفيقه حتى حضرنا.
ثُلّة من أمة محمد ﷺ، مرت علينا قرون بمن فيها وما فيها من أحوال الأخيار والأشرار، والمقرَّبين والمُبعَدين، والسعداء والأشقياء، مرّوا قرناً بعد قرن، ويا فوز الأتقياء ويا فوز السعداء، ويا خيبة العصاة والأشقياء، إن كانوا في القرن الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس، أو الذي قبل قرننا هذا أو في قرننا هذا.. ويلٌ لهم! ما أسوأ حالهم وما أصعب مآلهم ومستقبلهم!
والفوز للطائعين، (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هم الفائزون)، (افَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ)؛ هذه موازين ربي.
يقول لنا موازين أخرى: هذا قال عنده الوظيفة الفلانية، الذي عنده الشهادة الفلانية، الذي عنده الاتصال بالحزب الفلاني، أُف أُف أُف! والله ما لها عاقبة ولا لها نهاية ولا لها حقيقة مستقبل!
من اتقى الله هو العلي، من اتقى الله هو الرفيع، (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، إن حقّقنا إيماننا بالله نحن الأعلَون على آل الشرق وآل الغرب مِن كل مَن كفر، شعوباً أو حكاماً؛ الأعلى على ظهر الأرض من تحقّق بحقائق الإيمان، فرداً أو جماعة، هم الأعلون، (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، يقول جل جلاله وتعالى في علاه: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ).
يا أيها المجتمعون في هذه الذّكريات والمناسبات! ذكرى انتقال هذا العارف بالله المُنيب الخاشع المتواضع، المجتمعة فيه مكارم الأخلاق والشِّيَم، والإرث التام لخير الأنام الأكرم ﷺ.
لذلك نحن نجد في عالم الحياة الدنيا أنه لا يقدر أن ينفك أهل كل اتجاه وفكر عن ذكر مرجعيات لهم ونماذج ورؤساء ومؤسسين يرجعون إليهم، على الإطلاق، في أي صناعة، في أي حزب، في أي اتجاه، لا يمكن أن ينفكّ أصحابه عن ذكر أُسُس ورؤساء ومراجع ونماذج يستشهدون بذلك.
ولكن ما كان من هذا كله لأجل أمر رئاسة أو سياسة أو دنيا فانية فهو كله من أوله إلى آخره فانٍ، ولكن عندنا في الأرض أنبياء ما يُذكرون لأجل فانٍ، ولا يُذكرون لأجل دولة تنقضي، وعندنا آل أنبياء وأصحاب أنبياء، وعندنا ورثة أنبياء وأتباع أنبياء، فيهم رؤساء من هؤلاء الورثة ومن هؤلاء الخلفاء لأهل النبوة.
إذا ذُكِروا ما يُذكرون لأجل فان، ولكن بدافع الإسلام والإيمان والإحسان، بدافع "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، بدافع الشهادتين؛ يُذكر هؤلاء ويذكر أخبارهم وتُذكر مناقبهم.
ما يدفعنا لذكرهم أننا نريد أصوات انتخابات لأحد، ما يدفعنا لذكرهم أننا نريد حُكماً في قرية ولا في بلدة ولا في حضرموت ولا في الشرق ولا في الغرب، ما يدفعنا لذكرهم شيء من إرادات الدنيا، إنهم أحباب رب العرش، إنهم ورثة حبيب الرحمن، إنهم الذين تترجم فيهم الوحي ونالوا المنزلة الكبرى في الوعي، فذِكرهم من ذكر الرسول، وذِكرهم من ذكر الرحمن البر الوصول جل جلاله.
يقول الله عن هذا المعنى وتأسيس هذه الحقيقة: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ)، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ)، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى)، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ)، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ).
(وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ)، (وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ)، (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ)، (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
ما هذا الذِكر لهؤلاء؟ يقول الله الإيمان بي يقتضي ذكر المقرَّبين لديَّ ومحبتهم.
ولهذا لا يقبل الإيمان به حتى نؤمن بأنبيائي ورسلي، ومن ادّعى الإيمان بالله وشهِد أن لا إله إلا الله وكذّب بنبوة واحد من الأنبياء فهو عند الله كافر لا إيمان له، حتى يؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين الذين خاتمهم من شُرِّفتم به وكُرِّمتم به، وكنتم به خير أمة.
وظهر في بلدكم المبارك الميمون حضرموت هذه الأنوار والكواكب والنجوم من أرباب الصدق والإخلاص، لما جاء عمر بن عبد الرحمن العطاس إلى الجهة كم من بعيد صار قريباً، كم من مُعرِض صار مُقبِلا، كم من غافل صار ذاكرا، كم من قاطع صار واصلاً، كم من عاقٍّ رجع بارا.
وكم ارتقى في ذُرى الولاية مِن عموم أهل هذه القبائل، مَن تحولت أحوالهم بدعوة صدق من قلب مع الحق جل جلاله، يتحمل كل شيء في سبيل الله، إن سُبَّ وإن أُوذِي، وإن ضُرِبَت دابته وإن هُشِمَت، وإن مُنِع من سقي الماء الى غير ذلك، لا يتأثر لشيء ولا يتحرك لشيء.
ويقول لداخلين وصلوا عنده يُهنّئونه في ولادة أحد أولاده، فيرى ويدرك ببصيرته -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- وبفراسته: أراكم مشوَّشين من شيء، هل أحد قال لكم شيئاً؟ قولوا لي، قالوا: واحد قليل أدب ما يعرف أين نحن داخلين للبلد، قال أين تريدون؟ فقلنا له نريد عند الحبيب عمر بن عبدالرحمن، قال: لماذا؟ قالوا له: من شأن نُهنئه جاء له مولود، قال أنا هذه الدابة لي جاءت بشيء، لماذا ما تهنِّئونا؟ وقالوا الآن هذا ولد آدمي إنسان وولد عالم يمثله بالدابة هذا.. تأثروا، قال: هكذا قال؟ قال سهل هو صَدق، قالوا: كيف صدق؟ قال: بعقليته وفهمه يرى أنه يوافق له في الحراثة ويأتي له بفائدة، ويرى أن ولدي لا يحس أنه سينفعه، تعالوا نقوم نأخذ له القهوة، نروح بقهوة عنده نُهنّيه، قالوا هذا كلام ما شي إلا هذا هو، وأخذهم وقام، أقبل على الرجل، استحيا: مرحباً حبيب، قال: قالوا لي إنه جاءت عندكم الدابة جاءت لكم بولد، أنا ما دريت وإلا أكلمك من قبل أهنّيك، بارك الله لكم فيه إن شاء الله يكبر وينفعكم، يقول هو الذي يحكي القصة بعد، قال: وددت إن الأرض تغوص بي بتلك الساعة من أخلاق هذا الإمام! وجاء بقلب ما هو حامل شيئاً عليه، يريد له الخير، كمّلوا المجلس عنده وصبّوا القهوة، ولاوَف شغله ولحق الحبيب إلى بيته: أنا جئتك طارق، أنا جئتك معتذر، أهلاً وسهلاً على العين والرأس، تعلّم، تجيء في الوقت الفلاني؛ فتعلّم وصار فقيه وصار عارف وصار ولي وصار عالم، وانتقل من الحالة هذه كلها.
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ) وراثة، وراثة لجده المصطفى ﷺ.
فنال بها ما وصل الواصل من بلدكم هذا إلى مكة المكرمة في الحج ودخل في مجلس غاصٍ بأهله عند إمام من أئمة الحرم، كان ذاك الوقت الإمام محمد بن علوي السقاف وهو شيخ الإمام الحداد عليه رضوان الله تعالى.
فدخل هذا الواصل من الحُجاج يسلِّم عليه ويقول له: أقول لك أن الحبيب عمر بن عبد الرحمن العطاس يقرأ عليك السلام، يسلِّم عليك، قال له: من؟ قال له: أقول لك الحبيب عمر بن عبد الرحمن العطاس يقرأ عليك السلام، قال من؟! رفع صوته وهزَّ المجلس حتى ارتبش الرجل! قال: إلا أقول لك الحبيب عمر بن عبد الرحمن العطاس يقرأ عليك السلام، قال: اشهدوا عليَّ يا من حضر أني لا أعلم اليوم على ظهر الأرض وتحت أديم السماء رجلاً أفضل من عمر بن عبد الرحمن العطاس، وصلت لنا سلامه؟ جئت لنا بتحيته؟ بشَّرك الله بالخير وعليك وعليه السلام، وأخذ يثني على هذا الإمام الذي كثير في حضرموت ما يعرفونه ولا يدرون به، ولكن أولياء الله يعرفون أولياء الله، ولا يعرف الجوهر إلا الجوهري، ولا يعرف الولي إلا الولي.
وهكذا -عليه رحمة الله ورضوانه- عاش مع القرآن، عاش مع الأدب، عاش مع الصدق، عاش مع الإخلاص، عاش مع الوراثة العظيمة، وجاء منها الآثار، وجاء الأولاد والتلامذة والأخيار في هذه القبائل، في هذه النواحي، تكوَّن بهم تاريخ ميمون في تاريخ الإسلام مِن جملة تاريخ حضرموت.
وكان أهل المكارم فيهم من مشايخ ومن قبائل ومن مُحبين ومن أهل الحِرَف، فيهم: من أرباب الذوق ومن أرباب الوجد، ومِن مَن ارتقى مراقي، ومِن مَن اتصف بصفات يحبها رب العرش جل جلاله، حازوا بها الشرف في برازخهم، ويحوزون بها الشرف يوم جمع الأولين والآخرين، ويجنون ثمارها في جنات النعيم.
بماذا يأتي هؤلاء للناس؟ إنهم ورثة خير الناس، يأتون بالهدى، يأتون بالنور، يأتون بشرف الأبد، يأتون بسعادة الأبد، يدعون الناس إلى السعادة الكبرى التي لا تفنى ولا تزول، والتي من مظاهرها أن يُناديهم الله أول ما يدخلون الجنة: "يا أهل الجنة!"، "لبيك ربنا وسعديك!"، "هل رضيتم؟"، "كيف لا نرضى؟ نجَّيتنا من النار، أعطيتنا كتبنا بأيماننا، بيضَّت وجوهنا، أرجحت موازيننا، أدخلتنا الجنة". يقول: "ألا أعطيكم ما هو أفضل من ذلك؟" يقولون: "يا ربنا وما أفضل من ذلك؟" فيقول الله لهم: "أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"، ما أعظمها من ساعة! ايش السعادات هذه؟ إيش المزايا؟ هؤلاء يدعوننا لهذا، أن تأتي تلك الساعة وأنت مع من يسمع هذا النداء.
لأن كثير من الناس حتى بعضهم ظاهره مسلم يموت وما يحضر هذا النداء، هو في سَقَر، والعياذ بالله، هو في النار، نداؤهم نوع ثاني، قالوا: (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ)، (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)، هناك فرق بين "أُحِلُّ عليكم رضواني" وبين "اخسؤوا فيها"؟
هذا المستقبل الخطير، بعث الله الأنبياء من أجله، وقام هؤلاء فينا من أجله، وتحرًك هؤلاء فينا من أجله -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
فالحمد لله الذي جمعنا وإياكم اليوم، والله يُنوِّر هذه القلوب ويُطهِّرها ويصفِّيها لتلبي بالنداء الأعلى؛ لتسلك مسلك العلو الصحيح، لا فرعون نال العلو، ولا النمرود نال العلو، ولا قوم فرعون نالوا العلو، ولا قوم النمرود نالوا العلو، ولا عاد نالوا العلو، وما نال العلو إلا الأنبياء والمؤمنون، العلو الصحيح الحقيقي الدائم، (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
فلا تُصدِّقوا أقاويل أهل الشرق وأهل الغرب، إنهم لم ينجحوا في إصلاح بلدانهم، إلا في ظواهر معينة محدودة يُغَرُّون بها الكثير، لا يزال اعتمادهم حتى في اقتصادهم على سلب الثروات من الغير، وعلى النهب، وعلى أخذها بالطريقة والأخرى، وعلى إغراء هذا بهذا وهذا بهذا، وعلى صناعة أسلحة تُباع بأغلى الأثمان لتؤخد منها الثروات، ويقتتل بها المسلمون بعضهم البعض والمؤمنون بعضهم البعض.
نحمد الله في الوقت الأخير، بعدما كنا نسمع عن الحروب طائفة وطائفة، ودولة ودولة، وشعوب ودولة، وحزب وحزب مسلمين كلهم، في الوقت الأخير سمعنا بقتال بين كفار ومسلمين، هذا قد انتهى من زمان ما أحد سمع به، قتالاً بين مسلمين وكفار، الحمد لله على ظهور ذلك.
كفار ظالمين، كفار معتدين، كفار بيَّنوا لكم نهاية ثقافتهم وقوة تقدمهم بقتل النساء والأطفال والعُزَّل، وضرب المستشفيات والمساجد، هذه ثقافتهم، وكُل قواهم تحمي هذه الثقافة الخبيثة.
وإذا قَدَروا أن أرادوا هذا لغزة وحدها.. أرادوه لحريضة وأرادوه لحضرموت، وأرادوه لليمن، وأرادوه للعالم، لأن عندهم عقائد أنهم شعب الله المختار وغيرهم لا يساوي شيء.. وعندهم وعندهم!
ولا تُبلِّغهم مُراد ونارهم تصبح رماد
بـ "كهيعيص" في الحال ولوا خائبين
اهزمهم وزلزلهم يا أقدر القادرين، و يا قوي ويا متين، انتهوا إلى هذا؟ قال بعض الذين كانوا في بعض المستشفيات التي ضربوها، وكان دكتور وسط المستشفى، قال دخلوا إليها، ما أحد فيها، لا سلاح فيها، ولا مقاتلين فيها، ولا مقاومين فيها، وعاد إلا بقية مرضى جاؤوا إلى الأجهزة حق المستشفى.. طخ طخ طخ طخ! الأجهزة التي يداوون بها المرضى، جهاز القلب، جهاز التنفس، دقّوها بنارهم وخرجوا، وهي المستشفى ما عاد فيها شيء! الذي بلا تنفس ما عاد بقي فيه جهاز تنفس، الذي أراد تحريك قلب ما فيه الجهاز للقلب، صلحوا هكذا، هذا شغلهم، (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً)، (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ)، صدق الله وصدق ما وصف به خلقه جل جلاله وتعالى في علاه.
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)، نعوذ بالله من غضب الله! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بعضهم أولياء بعض).
وكفانا هذا لو عقلنا أن ننتهي ونترك الخلافات بيننا: أحزاب وهيئات ومذاهب واتجاهات وما إلى غير ذلك من أولها إلى آخرها، لو عقلنا لتركناها ولاجتمعنا على "لا إله إلا الله" نقاتل الكفرة والفجرة الذين يكذِّبون نبينا محمداً ﷺ، والذين ينشرون بيننا أنواع الفسق وينشرون المخدرات وحريصين على إيصالها إلى بيوتنا وخصوصاً في مثل حضرموت، حريصين على إيصال المخدرات إلى أولادكم، بلية من الله ابتلاهم بها.
(وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) يقول الله، لكن (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ).
فكونوا مع إرادة الله ومع ما بلَّغه النبي محمد بن عبدالله ﷺ، وأصلحوا أنفسكم وأُسَركم وأهاليكم وبينكم البين، ولا تنتظروا أن تُصلحكم أنظمة في الشرق ولا في الغرب.
والمُنظمات التي جاءت واديكم والتي فاقت المئات ووصلت الألوف من ورائها ما وراءها، لا يغرونكم بمساعدات يجيئون بها لكم، يأخذون قيمكم وأفكاركم وأخلاقكم ودينكم، وليضربوا بعضكم ببعض، دفع الله شرهم عنا وعن المسلمين، ورزقنا التعاون بيننا المبين في دائرة قال عنها الرحمن: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، جلَّ جلاله.
يا عزيز يا حكيم ارحمنا برحمتك الواسعة، وأعلِ درجات حبيبنا عمر بن عبد الرحمن ومشائخه وتلامذته ومن اتصل به ومن قام معه من القبائل ورجال الوادي، اللهم وأولادهم وأحفادهم سِر بهم مساراً من تحب؛ المسار الذي يأوون فيه الى سماع ندائك: احلُ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"، وجنبنا وإياهم موجبات الحسرة والندامة.
بارك في هذه الزواجات والعهودات، وفي هذا الرباط والارتباط، وفي من حفظ القرآن، واجعل نوره يشعشع في قلوبهم، وارزقهم فهم معناه والعمل بما فيه، واجعلهم من الذين حفظوا القرآن وعملوا بما فيه، فيُلبَس والد كل واحد منهم تاجاً ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا يوم القيامة، قال النبي: هذا لوالديه فما الظن بالذي عمل.
اللهم واجعل الجمع منظوراً منك بعين عناية ورحمة، لا ينصرف أحد إلا وقد هيَّأتَ قلبه لقربك ولحبك ولحب رسولك، حتى نكون ممن يريد الله ورسوله والدار الآخرة، ونحيا على ذلك ونموت على ذلك.
وتكون الدنيا مطِية لنا بما أحللت وبما أبحت وبما شرعت؛ نتعامل معها فتبارك لنا في أرزاقنا، وتبارك لنا في أخلاقنا، وتبارك لنا في تواصلنا مع بعضنا البعض، وعود الغني منا على الفقير، والقادر على العاجز.
اللهم ارزقنا هذه الأخلاق، وشرِّفنا بما شرَّفت به أهل الصدق والسباق، في ميادين الصدق معك من خيار الخلائق أهل الاتباع والوفاق، اللهم واسقنا من سلسبيل محبتك الصافي الراق، وتولَّنا بما توليت به من حسَّنت لهم الأخلاق.
اهدِنا لأحسن الأعمال والأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، وبارك في مناصبنا وفي علمائنا وفي أعياننا وفي مقادمة قبائلنا، وارزقنا وإياهم التعاون على مرضاتك والصدق معك في الوفاء بعهدك والاستعداد للقائك.
اللهم وزدنا من نوالك، وعجِّل بالفرج لأهل فلسطين ولأهل لبنان ولأهل السودان ولأهل الصومال، ولأهل ليبيا ولأهل العراق ولأهل اليمن ولأهل الشام، وحوِّل أحوالهم إلى أحسن الأحوال.
نسألك للمعادين والمعتدين والغاصبين والظالمين والمنتهكين الحرمات، اللهم يا منزل الكتاب، يا سريع الحساب، يا منشئ السحاب، يا هازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، واكفِ المسلمين جميع شرورهم برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
23 ربيع الثاني 1446