عظمة الحق ومنهاجه ورسله وورثتهم وسوء عاقبة معاديهم ( ومكر أولئك هو يبور)

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 26 جمادى الآخرة 1446هـ، بعنوان: 

عظمة الحق ومنهاجه ورسله وورثتهم وسوء عاقبة معاديهم ( ومكر أولئك هو يبور)

فوائد وصور مكتوبة من المحاضرة:

https://omr.to/M260646-f

لتحميل المحاضرة (نسخة إلكترونية pdf):

https://omr.to/M260646-pdf


0:37 مكانة أكرم الخلق على الله
2:40 إدراك منزلة حق اليقين
3:52 هؤلاء الفائزون وحدهم!
6:14 طلب الدخول في أهل السعادة
7:46 حسن التهيؤ لرجب ورمضان
10:22 آثار الإفساد في الأرض
12:33 الله ابتعثنا! 
13:10 عُذنا بربنا من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب
16:33 كفى من اللعب عليكم
18:09 أول شهيد في الإسلام وذكر من أذاهم
21:15 نتائج نشر الفساد بين المسلمين 
22:32 الارتفاع من الذلة إلى العزة
24:41 سبيل النصرة وعاقبة من لا مولى لهم
28:07 دعاء وتضرع إلى الله

نص المحاضرة مكتوب:

الحمد لله.. مُسعِدِ الأرواح بخطابه، وشريف ما أنزَلَ على أحبابه، الذين اختتمهم بسيِّدهم المخصوص منه بأشرف خطاب، والمُجاوِز لقوس قابٍ إلى مراتبِ (أَوْ أَدْنَىٰ)[النجم:9].

مكانة أكرم الخلق على الله

فما أعلى وأجلّ وأسنى مقامه ومكانه، وما أطيبَ وما أهنى، اللهم أدم صلواتك على باهي السَّنَا، حبيبك محمد ذي المقام الأسنى، مَن أطلعته اطلاعًا خاصًا على أسرار كلماتك العُلا وأسمائك الحُسنى، وعظمة ذاتك بما لا يَتَخَيَّله خيال، ولا يُعبِّرُ عنه مقال في حِسٍّ ولا معنى.

صلّ على مَن جمَعتَ فيه المَحَاسِن وفرَّعتها عنه في كُلِّ حَسَن، صلِّ على جدِّ الحُسين والحَسَن، صلِّ على عبدك المؤتمن، صلِّ على حبيبك الذي جعلتنا به خير أُمَّة، صلِّ على عبدك الذي يحمل لواء الحمد يوم القيامة، ويَعرِف جميع مَن في الجَمْعِ ما له من القدر والمكانة والكرامة. وأكرم الخلائق عليك من أنبيائك وملائكتك يهوون القرب منه، ويحبون الاتصال به، ومَن سواهم ودونهم مِن الصدِّيقين والمقرّبين على حالٍ جميل.. بل ينكشف الأمر إلى عموم المؤمنين. فعند ذهاب جميع الأوهام والخيالات ببروز نور الحقيقة في يوم الميقات؛ تمتلئ قلوبهم بتعظيم خير البريات ﷺ.

إدراك منزلة حق اليقين

 وقد نزلوا منزلة حقِّ اليقين؛ أنَّ مظاهر الدنيا ورئاساتها وجميع ما فيها: متاع الغرور، الكذب والزور.. لا مقدار له ولا مكانة!

هم أمام هذه الحقيقة في حقِّ اليقين، (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)[الزمر:60-62]. فليس لمساوئ الأرض موازنة ومقارنة بالسوء الذي يُنازِل أهل الكذب في القيامة.. أهل الكبر يوم القيامة.

هؤلاء الفائزون وحدهم!

وأما الذين اتقوا ربهم (لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الزمر:61]، وفي القيامة تقول الملائكة للتوَّابين -والدعوة لهم ولأولادهم وذرياتهم-: (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ)، (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ)[غافر:8-9].

يعني هؤلاء الفائزون وحدهم. فأبطِلوا المقاييس الباطلة! أبطِلوا المقاييس الباطلة، مقاييس الفوز في شيء من هذه المظاهر، أو الحضارات، أو الرئاسات على ظهر الأرض.. والله ثم والله ثم والله ما فيها من حقيقةِ فَوْز!

ووالله لا ذرَّة مِن فوز لأحد مِن أهلها إلا بمقدار ما خَضَع لله واتصل بمصطفاه.. والسلام! ليس غير هذا شيء!. ما غير هذا إلا زور، ما غير هذا إلا غرور، ما غير هذا إلا هباء منثور (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ..) مع مَن؟ (..مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا)[الفرقان:27].

مَن الرسول؟ الذي شُرِّفتُم بالجلوس في محَاضِرِه، الذي كنتم به خير أمة، الذي تُدَار كؤوس ذكره بينكم؛ ليصفو باطن مَن يصفو منكم باطنه، ويُدرِك مِن سِرِّ الأمانة وعظيم الديانة؛ ما يحوز به الحِفظَ والصيانة، ويرقى مراقي الشَّرَف والكرامة والمنزلة السامية بعيدًا عن كل مهانة! (وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ).

(لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[يونس:26].

طلب الدخول في أهل السعادة

يا مُنزِل هذه الآيات: بآياتك ومَن أنزلتها عليه، اجعلنا وجميع الحاضرين وجميع السامعين والمشاهدين والمتعلقين من هؤلاء الأكرمين..

يا الله: نقول عبوديةً أننا نُلِحُّ عليك ونسألك، وإلَّا فمن نحن؟ ومتى جئنا! ولا خلقنا أنفسنا وأنت خالقنا، وأنت الذي فسحتَ المجال، وأطلَقت القلوب والألسنة بالسؤال.. فسبحانك! وأنت لا تُجرِي هذا إلا ولك سوابق سبَقَت تريد أن تُسعِد أهل هذه المسالك! فلك الحمد يا مَلِكَ الممالك، ولك الفضل يا مَلِكَ الممالك، ولك المنُّ يا مَلِكَ الممالك! لا تجعل فينا هالكًا، واجعل كُلًّا مِنَّا على قَدَمِ الحبيب سالكًا..

يا الله.. اجعلنا من الذين قلت عنهم: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[يونس:26].

حسن التهيؤ لرجب ورمضان

يا رب.. وإن كُنَّا قد أساء مَن أساء مِنَّا كثيرًا فيما مضى.. فاجعل باقي العمر في الحُسنى. يَنْخَتِم جماد الثاني بحسنى وإحسان، ويدخل رجب بكمال الإحسان، ونُحسِن في أيامه، ونُحسِن في لياليه؛ حتى نتهيّأ لشعبان، ونُحسِن في أيامه ونُحسِن في لياليه؛ حتى يَحسُن استقبال رمضان مِنَّا، فنجد رمضان قد أحبَّنا أكثر مما نُحِبّه، وقد اشتاق إلينا أكثر مما نشتاق إليه. فإن رمضان يُحِبُّ أهله مِن بين بقيَّةِ الخلائق، وأهل رمضان هم أهل طُهر الجَنَان، هم أهل الصدق مع الرحمن، هم أهل الاتصال بالمصطفى من عدنان.

اجعلنا من أهل رمضان يا رب..

وقد كانوا في القرون الأولى من قبل رمضان بخمسة أشهر وهم يدعون الله لبلوغ رمضان، ويستعدون لاستقبال رمضان! وسيّدهم من أول ليلة يَهِلُّ شهر رجب يقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلِّغنا رمضان"، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله..

هؤلاء المحسنون لهم خيرات الدارين بيقين، ولهم سعادة الدارين بيقين، حَكَمَ بذلك خالق الدارين، مُكَوِّن الدارين، مُنشئ الدارين الذي لم يَشْركه في إنشائها أحد، لا فرد ولا جماعة.. ما أحد شاركه في إنشائها، خلقها وحده -جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه-.

ويوم تذهب هذه الغَبَرَة من الأوهام والخيالات يُنادي رَبُّ الأرض والسماوات: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)؟ (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ..)؟ وقد فَنِي مَن في السماوات والأرض، ويقول: (..لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)[غافر:16]. الذي قهر عباده بالموت.

أيها المؤمنون بالله -جلَّ جلاله-: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ)[يونس:26]، فأحسِنوا.

فيما مضى قد صدَرَت الإساءة مِن أكثرنا.. بأعضائهم وقلوبهم في ماضي أعمارهم، فاجعلوا ما بقي في الإحسان، (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ).

آثار الإفساد في الأرض

وقد نازَلنا من آثار الإساءة ما بَرَزَ للعيان من: سلطة الظالمين، وسلطة المعتدين، وحضارة المُفلِسين من حقائق إدراك الحق، المُفلسين من حقائق الصدق -مع الخلق فضلا عن الحق-، فلا صدَقوا مع إله! وأكثرهم لا يؤمنون به! ومَن ادَّعى الإيمان به منهم فصورة وكلمات تمرّ على لسانه، ومع الخلق راعوا في العالم: الظلم، وانتهاك الحُرُمات، ونشر الفساد، وأخذ حقوق الغير.. وعلى هذه الأُسس قامت حضاراتهم! على هذه الأُسس قامت حضاراتهم!

وقال صاحب الفساد في وقته الذي يَدَّعِي أنه نظَّم ورتَّب ويتمنَّن على الناس: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي)[الزخرف:51]، وقال على مظهر النور والهدى في النبوة والرسالة سيدنا موسى كليم الله -عليه السلام-: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ)[غافر:26]. وهذا الكلام الذي يقولونه اليوم (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)! (كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)[البقرة:118]. رأوا أنفسهم نشروا الفساد فينا، وكانت الكثرة الكاثرة من المسلمين وراء أوهام تعظيم الغرب أو الشرق من الكفار، واعتقاد أنَّ عندهم أنظمة أو عدل أو أمانة!

ونسوا أمانة محل اصطفاء الله واجتبائه في أنبيائه ورسله وورثتهم!

ولن يجدوا الأمانة في غير هؤلاء، ولن يجدوا العدل في غير هؤلاء!

الله ابتعثنا!

قال سيدنا رِبْعِي بن عامر: "الله ابتعثنا لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رَبِّ العباد، ومن جَوْرِ الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة". هذا فقهه لرسالة النبي محمد ﷺ، وخطابه لقِوَى الكفر والسلطة على ظهر الأرض! قال: "الله ابتعثنا"؛ هذا هو السِّر.

عُذنا بربنا من كل متكبر

وهذا قال: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ)! (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)[غافر:26]. فساد؟! فساد عند موسى! فساد عند الطُّهْر! عند النَّقاء! عند الذي صبَر! عند الذي أوذي! عند الذي تَحَمَّل! عند الذي أوحى الله إليه! عند الذي جاء بمنهج الخالق للخلق.. هو عنده الفساد؟! ما الفساد إلَّا أنت الذي تقتِّل الأبناء وتستحيي النساء! وتقول لهم (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)[النازعات:24]، فأين الفساد؟! 

(وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)[غافر:26-27].

هذه مقالة الأنبياء، ومقالة ورثة الأنبياء.في مختلف المراحل، ومختلف الأعصار، ومختلف الأماكن: (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)[غافر:27].

إنَّا عُذنا بربِّنا ورب كل شيء من كُلِّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب!

وأهل وراثة النبوة على ظهر الأرض والصادقون من المؤمنين لسانهم واحد تَبَع الأنبياء:

إنَّا عُذنا بربِّنا وربّ كل شيء من كُلِّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب!

إنا عُذنا بربنا ربّ الأرباب من كُلِّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب!

وكُلّ مَن استخدموه، وكل مَن أدخلوه في دوائر خططهم: إنَّا عُذنا بربنا، عُذنا بربنا.

نهاية الظالمين

وما كانت النتيجة؟ هل قَتَل فرعون موسى؟ وغَرِق فرعون، وهل كانت نتائج غير هذا؟ قبل وبعد ما هي إلا هي! وغَرِق (حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ)! أين الفلسفة الطويلة العريضة؟ أين الخطط المُحكمة؟ أين الدولة المتينة؟ (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ)! وهذا موسى وقومه الحق.. هذا الحق، هو هذا الصدق فقط! وأنت؟ قال كذب.. كذّاب، كلامي كذب، وكلام قومي كذب: (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ..) ولم يُقبَل منه (..آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)[يونس:90-91].

فيَا حَمَلَة الظلم على ظهر الأرض: هذا بلاغ الله إليكم قبل أن تقولوا هذه المقالة! وكثير منكم سيقولها، ولكنّا تعبَّدنا ربنا أن نُبلّغكم، وأن نرجوا لكم أن تخرجوا من هذه الورطات التي ورّطتم أنفسكم فيها! فإن أبيتم فحسبنا الله ونعم الوكيل، وسترون المآل والمصير (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)[الشعراء:227].

 كفى من اللعب عليكم

ويا معشر مَن أُكرِموا بالإيمان: كفى مِن لعبهم عليكم! إبليس وجنده من شياطين الإنس والجن! نشروا بينكم البغضاء، نشروا بينكم الشحناء، نشروا بينكم التَّفرِقَة..! شيء بالمناطق، وشيء بالمذاهب، وشيء بالطائفية، وشيء بالأحزاب السياسية، وشيء بالمنافسة الغير شريفة على الأموال الدنيوية والشركات الهابطة! وضربوكم ضربًا بواسطة ذلك!

خلِّصوا أنفسكم!

ربكم يدعوكم إلى:

  •  الوحدة،

  • يدعوكم إلى الأخوة،

  • يدعوكم إلى التعاون.

وهؤلاء دعوكم إلى أن:

  •  تُوغَر صدور بعضكم على بعض،

  • ويؤذي بعضكم بعضا،

  • ويقتل بعضكم بعضا،

  • ويسفك بعضكم دم بعض!

وإلى متى تكونوا أذنابًا لهم؟ وأسلحة في أيديهم لتنفيذ خططهم المعادية لمنهج الله؟!

نشروا بينكم الفساد، دعوكم إلى تبرُّج نسائكم، وإلى تهتّكهنّ وخروجهنّ عن شرفٍ أراده الله خالقهنّ لهنّ، ومضى فيه خيار بنات آدم في كُلِّ الأمم إلى أن جاءت خير الأمم.. فكان أمهات المؤمنين وبنات المصطفى الأمين: فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم.

ذكر أول شهيد في الإسلام وذكر من أذاهم

والسابقات الأوليات من المهاجرات والأنصاريات! منهن سميّة أول مَن استشهد بعد بعثة النبي محمد وبعد رسالة النبي محمد، سبَقَت الرجال.. ما كان قبلها شهيد، كانت أول شهيد بعد بعثة المصطفى ﷺ: سميّة أُمُّ عمار -عليها رضوان الله تعالى-، ولحقها في الشهادة زوجها ياسر -عليه رضوان الله ورحمته الكبرى-!

وهو فرحان من ذاك اليوم إلى الليلة.. لو رأيتم النعيم الذي هو فيه! لو رأيتم التكريم الذي هو مُلاقِيه من قِبَلِ باريه! فاز! ماذا حصَّل مَن قتله؟ مساكين اغترّوا! سلطة زمنية ومظهر في وقت قصير، وأحدهم في حزنٍ وهمٍّ وبكاء من يوم مات إلى الليلة هذه!

نحن نذكر هذا الذكر ويُعرَض على مثل ياسر وسميّة فيزدادون فرحا إلى فرحهم، ويُعرَض على مَن آذاهم فيزدادون حزنا إلى حزنهم!

والذكر الجميل بقي لهؤلاء.. بعد ألف وأربعمائة وستين سنة اليوم! ألف وأربعمائة وستين سنة من حين قُتِلَ سيدنا ياسر وسيدتنا سميّة! ألف وأربع مائة وشيء وخمسين سنة من حين قُتِلوا.. قريب الستين.. وذكرهم بالجمال، وذكرهم بالإكرام.

وبماذا يُذكَر مَن آذاهم؟ باللعنة، بالسوء، بشرِّ الذكر..! ونحن في الدنيا -والجزاء الكبير مُقبِل على الكل-  وإن كانوا في البرزخ هؤلاء يُعرَض عليهم الجنة في كُلِّ عشيَّة وفي كُلِّ صباح، وأولئك تُعرَض عليهم النار في كل عشيَّة وفي كل صباح؛ ولكن هذا العرض ألف وأربع مائة وستين سنة وما بقي إلى أن تقوم الساعة.. عرض الجنة على هؤلاء ما يساوي شيئا من النعيم الذي يجدونه تحت لواء الحمد -فضلا عن الجنة-! وعرض النار المُنَغِّصة لهؤلاء من هذه المدة كلها وما يبقى إلى أن تقوم الساعة.. ما يساوي شيئا عند ألم وعذاب ساعة عضّهم للأصابع (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا)[الفرقان:27]. فضلًا عن النار ودخولها!

الأمر أكبر مما يتصوَّر البشر المُغترّون بهذه المُتَع الفانية القصيرة الزائلة! ما أقرب زوالها!

والحقيقة كلَّمهم عنها ربهم رب الخليقة، وبعَث فيها عُروتنا الوثيقة محمد ﷺ.

 نتائج نشر الفساد بين المسلمين

نشر هؤلاء -إبليس وجنده من شياطين الإنس والجن- بيننا بعد الشِّقَاق، وبعد الاختلاف، وتعظيمهم الكاذب، واحتقار العظيم  -وهو الشرع، وهو السنة، وهو القرآن، وهو الإرث النبوي، وهو الأخيارمن الأمة وصلحائها؛ هؤلاء عُظماء عند الله!- أغروا كثيرا من صدور المسلمين باحتقار العظيم -والعياذ بالله تبارك وتعالى-! ونشروا بيننا المخدرات، نشروا بيننا المسكرات.. ولا يزالوا ينشرونها! ودعوا إلى ترك الصلوات وإلى ترك الزكوات، ودعوا إلى الربا واستحلاله! وكم أطاعهم ممن أطاعهم، فجاءتنا هذه النتائج؛ بتسلّطهم الذي لن يدوم، وما هو شيء غير السُّنَّة التي استمرت من عهد آدم إلى وقتنا هذا (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)[الأحزاب:62]، (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)[فاطر:43]، -جلّ جلاله وتعالى في عُلاه- ولكن (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ)[النور:35].

 الارتفاع من الذلة إلى العزة

فعلى المؤمنين أن يطرقوا الارتفاع من الذلة إلى العِزَّة، بــ:

  • إيمانهم بالرب،

  • ورجوعهم إلى دينهم،

  • تطبيق الشريعة في: أفرادهم وأُسرهم، ومناسباتهم، وأعمالهم، ولباساتهم، وطعامهم وشرابهم، ومعاملاتهم..

سبيل الإنقاذ، سبيل النصر، والخروج من الذلة إلى العز، قال ﷺ: "سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ مِنْهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ".

 ما يَنْزَع هذا الذُّل حتى يرجعوا إلى الدين! ولابد من رجوعٍ إلى الدين، وإن آذونا..! آذوا إخواننا في السودان، آذوا إخواننا في الصومال، آذوا إخواننا في كثير من الأماكن، وشتتوا الشمل، وآذوا وعملوا، ومع ذلك كله سنقول في الدنيا قبل الآخرة: سيرون راية الحق التي حاربوها غالبة، وهم شَذَر مَذَر، وهم عِبَر لمن اعتبر.. لابد أن يكون ذلك،

والله لابد أن يكون ذلك،

والله لابد أن يكون ذلك،

والله العظيم لابد أن يكون ذلك!

ولا يفوز إلا مَن اتّقاه، ولا يفوز إلا مَن صدَق مع مَن خَلَق، ولا يفوز إلا مَن اتَّبَع الأصدَق، إلا مَن أحبّ محمدا ﷺ.

فليعلَم المسلمون مهمتهم وواجبهم، وسيُحوِّل لهم الأحوال -جلّ جلاله-، وينتخب مَن شاء -جلّ جلاله-؛ ليُزيح على أيديهم ظُلمات وأوهام وخيالات.. في الظاهر أو في الباطن، لأن الكون مُحكَمُ التكوين، بتقدير المكوّن، وعِلم المكوّن، وإرادة المكوّن، وقدرة المكوّن (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ)[يس:82-83].

 سبيل النصرة وعاقبة من لا مولى لهم

اعمروا قلوبكم ودياركم وأوقاتكم بــ:

  • الذكر،

  • والفكر،

  • والشكر،

  • والاتّباع للحبيب البدر،

وسينصركم الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ..) صَدَق الله! (..فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ..) وقالوا عليه، وكذَبوا عليه، وتَقَوّلوا عليه، وقالوا نظامنا أحسن من نظام الله! (..كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ..)؟ ارجعوا إلى عقولكم وفكِّروا تفكير المُنصِف (..فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ..) هات لي كافرا فاجرا كذَّب الرسل في الأمم السابقة أو كذَّب نبينا في هذه الأمة.. وتجبَّر وآذى ثم انتصر وبقي؟

مَن منهم؟ (دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) مَن منهم لم يُدمِّر الله عليه؟ هات لي واحدا؟ فكّر فكِّر وفتّش في التاريخ كله.. هات لي واحدا؟ (..دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا..) وأي شىء بعد هذا البيان الصريح؟! (..وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ..)، ما معنى لا مولى لهم؟ تحالفاتهم، تجمعاتهم، تكتيتاتهم.. لا شيء (لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ)!

القادر ما هو معهم، القوي الفعّال ما هو معهم.. فليتجمّعوا إلى أن يشبعوا، أي شيء يعملون؟

كل بيت سيبقى سنوات -حتى من بيوتهم- يُذكَر فيه الله ورسوله ويدخل فيه دين محمد على رغم أنوفهم، (وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ..) فتحصل هذه العجائب في الدنيا، والأمر الأكبر: (..إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ..)،

(وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ)

(وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ)

(..وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ..) فما جعلنا تسلّطهم هذا واحتياجك للهجرة وترتيبها واختباءك في الغار؛ إلا لحِكَم، لو أردنا أن ننتقم منهم لانتقمنا (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ * أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم)[محمد:7-14]. لا والله ما يستوون!

دعاء وتضرع إلى الله

فاجعلنا على بيِّنة منك يا رب.. في نياتنا ومقاصدنا، واشمل بهذا الخير جميع المُقبلين عليك في شرق الأرض وغربها. واخصُص الحاضرين في المَجْمَع، والسامعين له والمشاهدين له والمتابعين له؛ بنوالٍ وافر، وحظٍّ كامل، من هذا التفضُّل الرباني، والجود الامتناني، والفيض الإحساني، بوجاهة صاحب شرف العدناني.. يا أكرم الأكرمين.

يا أوَّل الأولين، يا آخر الآخرين، يا ذا القوة المتين، يا راحم المساكين: حَقِّقنا وحَقِّق لنا هذا العطاء، وحَقّقنا بالعبودية المحضة الخالصة، والفهم عنك، والوعي لِمَا أوحيته إلى قلب نبيك، واجعلنا على بيّنة منك؛ فيما نقول ونفعل وننوي ونعتقد ونتحرك ونَسكُن.

يا الله.. يا الله..

رُدَّ كيد الظالمين والفاجرين والمعتدين، والصهاينة الذين يُقَتِّلون كل يوم من الأبناء والأطفال والنساء، ويقصدون المستشفيات والملاجئ والمساجد والمدارس بضربهم وقصفهم.. ويكون العدد الأكبر من القتلى من الأطفال..! وفي أيامكم أطفال حُدَثاء الولادة من البرد ماتوا! الله يلطف بهم! اللهم الطف بالمسلمين! اللهم الطف بالمسلمين!

وهؤلاء الصهاينة الذين يرعون هذا الظلم، وكل من والاهم.. اهزمهم وزلزلهم يا قوي يا متين! 

اهزمهم وزلزلهم يا قوي يا متين! 

اهزمهم وزلزلهم يا قوي يا متين! 

يا مُنزِل الكتاب، يا مُنشئ السحاب، يا سريع الحساب، يا هازم الأحزاب: اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، يا قوي يا متين، يا قوي يا متين، يا ​​أرحم الراحمين!

وتوجّهوا إلى الله يُغيثكم ويُغِيثُ المسلمين في المشارق والمغارب، ويَرُدُّ كيد الكفار والفُجَّار المعتدين والظالمين والغاصِبين والمُنتهِكين لحُرُمات البريَّة!

يا حيُّ يا قيوم.. توجَّهوا إلى الحيِّ القيوم، وأخلِصوا في الوجهة إليه، وتذلّلوا بين يديه، وارفعوا من مجمعكم دعاءًا له ووجهةً إليه واستغاثةً به -سبحانه وتعالى-، استغيثوه، واسترحموه، واستنصروه، وقولوا:

يا لطيفًا لَمْ يَزَل الطُف بِنَا فيما نَزَل ** إنَّك لَطِيفٌ لَمْ تَزَل الطف بِنَا والمُسلِمين

تاريخ النشر الهجري

25 جمادى الآخر 1446

تاريخ النشر الميلادي

26 ديسمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية