كشف الغمة 260- كتاب الصلاة ( 150) باب صلاة الكسوفين
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 260- كتاب الصلاة ( 150) باب صلاة الكسوفين
صباح الاثنين 13 رجب 1446
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها :
- معنى الكسوفين
- حكم صلاة كسوف الشمس و خسوف القمر
- روايات في صلاة النبي الكسوف والخسوف
- الأفضل في كيفية صلاة الكسوف والخسوف
- مقدار تطويل صلاة الكسوف والخسوف
- كسوف الشمس عند موت إبراهيم ابن النبي
- هل يصلى الكسوف والخسوف في الأوقات المنهي عنها؟
- سنن عند صلاة الكسوف والخسوف
- الكسوف والخسوف من آيات التفكر والاعتبار
- حكم صلاة الكسوف في أوقات النهي
- حكم اجتماع صلاة عيد أو جمعة مع الكسوف
- هل يشترط إذن الإمام لصلاة الكسوف؟
- هل يصلى لحدوث الزلزلة والريح وغيرها؟
- هل تنقطع الخطبة لانجلاء الكسوف؟
- خشية النبي من نزول العذاب عند الريح
- هل يصلى للزلزلة؟
- انتهاء وقت صلاة الكسوف والخسوف
- هل يسن خطبة لصلاة كسوف الشمس؟
- تأويل رؤيا وقوع الكسوف والخسوف
- هل يسن الجهر لصلاة الكسوف؟
نص الدرس المكتوب :
"قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ إذا كسفت الشمس يبعث مناديًا ينادي: الصلاة جامعة، وكان ﷺ يصليها مختصرة ومطوّلة بحسب طول الكسوف وقصر زمانه وغير ذلك فتارة كان يصليها ركعتين في كل ركعة قيامان وركوعان يقرأ في كل قيام الفاتحة وسورة بعدها، وتارة كان يصليها ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات وثلاث قيامات يقرأ في كل قيام ما يقرأ في الآخرة من الفاتحة والسورة، وتارة كان يصليها ركعتين في كل ركعة أربع رکوعات، وتارة كان يصليها في كل ركعة خمس ركوعات، وتارة كان يصليها ركعتين بركوع واحد كسنة الظهر ويقول: "صلاتكم في الخسوف كما تصلون في غير الخسوف ركعة وسجدتان"، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ولكن كان تكرار الركوع في كل ركعة أكثر.
وقال النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-: "انكشفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ فكان يصلي ركعتين ويسلم ويصلي ركعتين ويسلم حتى انجلت ثم قال ﷺ: إن الله -عز وجل- إذا تجلى للشيء خشع له وإنه قد تجلى للشمس"، ولما كسفت الشمس يوم موت ولده إبراهيم ﷺ قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة فصلوا واذكروا الله"، وفي رواية: "فإذا رأيتموهما فصلوا كإحدى صلاة مكتوبة صليتموها"، قال أنس -رضي الله عنه-: "وإن كانت الريح تشتد على عهد رسول الله ﷺ فيبادر إلى المسجد مخافة أن تكون القيامة"، وكان ﷺ يطيل في كل قيام وركوع وسجود ما شاء الله ولكن دون الذي قبله في كل ركعة فكان ركوعه نحوًا من قيامه وسجوده نحوًا من ركوعه وقيامه في الثانية نحوًا من سجوده في الأولى"وهكذا.
وكان ﷺ إذا انجلت الشمس قبل أن ينصرف قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله وكثيرًا ما كان يجلس بعد الصلاة مستقبل القبلة يدعو حتى ينجلي كسوفها، وكان أكثر قراءته ﷺ في كسوف الشمس جهرًا يسمع الناس وكثيرًا ما كان يسر بها حتى لا يسمع له صوت من الخوف والبكاء، وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا رأوا عند النبي ﷺ حزنًا أو عدم انشراح لم يطعم أحد منهم طعامًا حتى ينجلي ذلك الأمر عن رسول الله ﷺ وكانوا يكثرون عند ذلك الصلاة في المساجد والبيوت، وكان ﷺ يجهر في كسوف القمر على الدوام.
وكان إذا هبت ريح حمراء يسمع له نشيج من شدة كتم البكاء ويصير يدخل إلى حجر نسائه ويخرج ثم يدخل ثم يخرج ولا يكلم أحدًا، وكان علي -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ إذا هاجت ريح شديدة فزع إلى المسجد حتى يسكن الريح ويقول: "إن الله -عز جل- إذا أنزل إلى الأرض بلاء صرفه عن أهل المساجد"، وكان ﷺ إذا حدث في السماء حدث من كسوف شمس أو قمر يكون مفزعه إلى المصلى حتى ينجلي، وكان ﷺ يحث الناس على الصدقة والاستغفار والذكر في الكسوفين ويقول: "إذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا وأعتقوا حتى ينجلي".
خاتمة: كانت الصحابة -رضي الله عنه- لا يصلون لمثل الزلازل، وكان عمر -رضي الله عنه- يخطب للزلزلة ولا يصلي، وكان ابن عباس -رضي الله عنهم- عنهما يصلي للزلزلة ركعتين في كل ركعة ركوعان ثم يقول: هكذا صلاة الآيات، والله أعلم."
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفوته، سيدنا محمد بن عبد الله، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وأهل مودته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانهم من أنبياء الله ورسله خيرة الرحمن من خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وابتدأ الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- يذكر ما ورد في صلاة الكسوفين.
ويقال: الخسوفين. ويقال: للقمر خسوف وللشمس كسوف، ويقال بالعكس، فكله وارد من حيث اللغة.
قال تعالى: (فإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ* وَخَسَفَ ٱلۡقَمَرُ * وَجُمِعَ ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ) [القيامة: 7- 9]، وقال: كسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ وخطب للناس حتى انجلت الشمس.
"قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ إذا كسفت الشمس يبعث مناديًا ينادي: الصلاة جامعة"
-
وقد قالوا أن صلاة الكسوف للشمس سنة مؤكدة باتفاق المذاهب الأربعة وعامة أهل العلم.
-
وقالوا في خسوف القمر:
-
إنها أيضًا عند الشافعية سنة مؤكدة.
-
وهي عند الحنابلة كالشافعية سنة مؤكدة.
-
وعند الحنفية: يعبرون عنها بالحسنة.
-
وعند المالكية: بالمندوب يقولوا بالمندوب بالنسبة لخسوف القمر.
-
أما كسوف الشمس فالكل يعبر عنها بأنها سنة مؤكدة.
ويبقى خسوف القمر سنة مؤكدة عند الشافعية والحنابلة، وهي حسنة عند الحنفية، ومندوبة عند المالكية؛ بل في كسوف الشمس قول عند بعض الحنفية أنه واجب، يجب أن تصلى كسوف الشمس.
"وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ إذا كسفت الشمس يبعث مناديًا ينادي: الصلاةُ جامعة" يُقال: "في الصلاة جامعةٌ" أو "الصلاة حالة كونها جامعة" أو "الصلاةَ على الإغراء؛ الصلاة جامعة"
"وكان ﷺ يصليها مختصرة ومطوّلة بحسب طول الكسوف وقصر زمانه وغير ذلك فتارة كان يصليها ركعتين في كل ركعة قيامان وركوعان يقرأ في كل قيام الفاتحة وسورة بعدها، وتارة كان يصليها ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات وثلاث قيامات يقرأ في كل قيام ما يقرأ في الآخرة من الفاتحة والسورة، وتارة كان يصليها ركعتين في كل ركعة أربع رکوعات، وتارة كان يصليها في كل ركعة خمس ركوعات، وتارة كان يصليها ركعتين بركوع واحد كسنة الظهر ويقول: "صلاتكم في الخسوف كما تصلون في غير الخسوف ركعة وسجدتان"، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ولكن كان تكرار الركوع في كل ركعة أكثر".
إذًا: فهذا مما يروى أورده الشيخ الشعراني وليس بمشهور في كتب السنة والحديث؛ ولكن أن تصلى بقيامين في كل ركعة وركوعين نعم، فهذا ثبت في السنة المطهرة المشهورة.
فيجوز أن تصلى ركعتين في كل ركعة ركعة واحدة وسجدتين كغيرها من الصلوات، ولكن الأفضل أن تصلى صلاة الكسوف والخسوف بأن يجعل في كل ركعة قيامين وركوعين، فإذا ركع أولًا ثم ارتفع من الركوع قرأ الفاتحة والسورة ثم يركع ثانيًا ثم يقوم بالاعتدال ثم يسجد وهكذا.
وكيفية الطول فيها أن يطولها بقيامين وركوعين في كل ركعة، فيقرأ في القيام الأول سورة البقرة وما يساويها، ويقرأ في القيام الثاني سورة آل عمران، ثم في القيام الثالث سورة النساء، ثم في القيام الرابع سورة المائدة، وفي الركوع الأول والسجود الأول يسبح بمقدار مائة آية، وفي الركوع الثاني والسجود الثاني يسبح بمقدار ثمانين آية، في الركوع الثالث والسجود الثالث يسبح بمقدار سبعين آية، في الركوع الرابع والسجود الرابع يسبح بمقدار خمسين آية، فهذه أكمل وأطول ما ورد في صلاة الكسوف والخسوف.
"وقال النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-: "انكشفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ فكان يصلي ركعتين ويسلم ويصلي ركعتين ويسلم حتى انجلت ثم قال ﷺ: إن الله -عز وجل- إذا تجلى للشيء خشع له وإنه قد تجلى للشمس"، فذلك غير مشهور في كتب الحديث.
"ولما كسفت الشمس يوم موت ولده إبراهيم ﷺ -قال الناس: إن الشمس كَسَفت لموت إبراهيم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة فصلوا واذكروا الله"، وفي رواية: "فإذا رأيتموهما فصلوا كإحدى صلاة مكتوبة صليتموها"، فهذا الصلاة أيضًا للكسوف وللخسوف.
فإذا كان الكسوف أو الخسوف في أحد الأوقات المنهي عن الصلاة عنها:
-
قال الشافعية: لا يضر ذلك، ففي أي وقت حصل الكسوف أو الخسوف يكون وقت الصلاة؛ فإذا انجلت ذهبت الصلاة، فإن انجلت والمصلون أتموا صلاتهم كما هي.
-
وإن انجلت قبل أن يدخل إلى الصلاة فلا يدخل إلى الصلاة فاتته لأنها ذات سبب.
ويُسن إذا كسفت الشمس أو خسف القمر:
-
أن يجددوا التوبة لله تعالى.
-
وأن يجددوا وضوئهم واغتسالهم.
-
وأن يتصدقوا ويكثروا الاستغفار.
لأنها آيات من آيات الله كما أخبر ﷺ لا يتصرف فيهما غيره، ولا يحركهما ولا يقدمهما غيره -سبحانه وتعالى-، ولا خلقهما إلا هو سبحانه وتعالى، وهي تبين بقية الكواكب وبقية النجوم وبقية السماوات والأرض وما بينهما أنها مُلكه وخلقه يتصرف فيها كما يشاء ويفعل ما يريد -جل جلاله-، فيكون في حصول هذا تذكرة بما نحن عليه من تمهيد الأرض ورفع السماء ونصب الجبال وإيجاد هذه الهيئة في هذا الخلق آيات من آيات الله تعالى، فيكون ما يحصل للشمس والقمر في هذا من أقوى أسباب التذكر والتبصر والاعتبار.
وهكذا كما جاء في صحيحه لما دخلت أسماء وجدت الناس يصلون وعائشة أيضًا تصلي معهم، فيصح أيضًا من النساء؛ وأن يصلين أيضًا خلف الرجال، فكان أن سألتها ما الذي حصل ما هذه الصلاة، فأشارت نحو السماء قالت آية، أشارت برأسها أن نعم.
وسمعوا عن النبي ﷺ يخطب وقال في خطبته: "ما من شيءٍ لمْ أكُنْ أُرِيتُهُ ، إلَّا رأيتُهُ في مَقامِي هذا ، حتى الجنَّةَ والنارَ " صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
إذًا: عند الحنفية وهو كذلك الظاهر عند الحنابلة ورواية عن الإمام مالك أنها:
-
لا تصلى بعد العصر صلاة الكسوف، ولا تقام الصلاة في حين الاستواء ولا بعد صلاة العصر.
-
والرواية الأخرى عن مالك والرواية عن الإمام أحمد كالشافعية قالوا: تصلى في كل الأوقات كسائر الصلوات لها سبب متقدم أو مقارن كالمقضية وصلاة الاستسقاء وركعتي الوضوء وتحية المسجد تصلى في جميع الأوقات.
-
والرواية الثالثة عن مالك أنها إذا طلعت مكسوفة تصلى حالًا، وإذا دخل العصر مكسوفة أو كسفت عندهم ولم يصلى لها.
فإذا اجتمع مع الخسوف صلاة أخرى مثل عيد أو صلاة جمعة أو صلاة مكتوبة أو وتر، فالذي يُخاف فوته يقدم؛ ثم بعد ذلك إذا لم يخاف الفوات فالآكد: تقدم الفريضة ثم الجنازة ثم العيد ثم الكسوف.
وإذا اجتمع وتر وخسوف قُدِّمَ الخسوف لأنه آكد حينئذ لخوف الفوت، إذا انجلى القمر خلص انتهى وقت صلاة الخسوف، أما عند الأمن من الفوات فتقدم حتى صلاة الجنازة على الكسوف والخسوف.
لا يشترط لإقامتها إذن الإمام كما يقول الشافعية والحنفية، وفي ظاهر الرواية عند الحنفية يقولون: لا يقيمها جماعة إلا الإمام الذي يصلي بالناس الجمعة والعيدين.
وروي عن أبي حنيفة أن لكل إمام مسجد أن يصلي بالناس في مسجده بجماعة، وأما ما عدا ذلك فتصلى فُرادى.
"قال أنس -رضي الله عنه-: وإن كانت الريح تشتد على عهد رسول الله ﷺ فيبادر إلى المسجد مخافة أن تكون القيامة".
واختلفوا بعد ذلك في الآيات إذا حصلت آيات غير الكسوف والخسوف مثل الزلزلة ونحوها فهل يصلى لها؟
أما فرادى فنعم، لأنها من جملة "الصلاة خير موضوع، فمن شاء فليستكثر"، وهي قربة إلى الله -تبارك وتعالى-.
وأما جماعة فاختلفوا هل يُصلَّى لشيء من الآيات غير الكسوف والخسوف، لغير الكسوف والخسوف من الآيات مثل ما أشار إليه في هذا الحديث من الريح إذا اشتدت الريح:
-
يقول الحنفية: في كل فزع تستحب الصلاة مثل الريح الشديدة مثل الزلزلة، أو اشتداد الظلمة على غير العادة، أو استمرار المطر وخوف الضرر والهلاك بسببه، وروي أن ابن عباس صلى لزلزلة بالبصرة.
-
وقال الحنابلة: لا يصلى لشيء من ذلك إلا للزلزلة الدائمة ويصلى لها كصلاة الكسوف لفعل ابن عباس وأما غيرها فلا. وفي رواية عن أحمد: أنه يصلى لكل آية، لكن هذا ظاهر المذهب عندهم أنه لا يصلى إلا للخسوف والكسوف أو الزلزلة الدائمة.
-
وكذلك يقول الشافعية: لا يصلى لغير الكسوفين صلاة جماعة، ويستحب أن يصلي في بيته حيثما هو يتضرع لله تعالى أو يخرج الى المسجد يصلي فرادى يسأل الله، فهذه ترجع من جملة صلاة الضر والحاجة؛ فتصلى فرادى سواء، وجاء عن الإمام الشافعي قال: لا آمر بصلاة جماعة في زلزلة ولا ظلمة ولا لصواعق ولا ريح ولا غير ذلك من الآيات، وآمر بالصلاة منفردين كما يصلون منفردين في باقي الصلوات المسنونة الأخرى.
-
وهكذا جاء عن المالكية: أنه لا يصلى لشيء من الآيات قط إلا الكسوف والندب في الخسوف.
قال: "وكان ﷺ يطيل في كل قيام وركوع وسجود ما شاء الله ولكن دون الذي قبله في كل ركعة فكان ركوعه نحوًا من قيامه وسجوده نحوًا من ركوعه وقيامه في الثانية نحوًا من سجوده في الأولى، وهكذا".
"وكان ﷺ إذا انجلت الشمس قبل أن ينصرف قام فخطب الناس فأثنى على الله" -فلا تنقطع الخطبة للانجلاء، إنما الصلاة تنقطع، وإذا انجلت وهم في الصلاة أتموها- "فأثنى على الله بما هو أهله وكثيرًا ما كان يجلس بعد الصلاة مستقبل القبلة يدعو حتى ينجلي كسوفها، وكان أكثر قراءته ﷺ في كسوف الشمس جهرًا يسمع الناس وكثيرًا ما كان يسر بها حتى لا يسمع له صوت من الخوف والبكاء".
فإذًا الكسوف للشمس سرية والخسوف للقمر جهرية.
"وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- إذا رأوا عند النبي ﷺ حزنًا أو عدم انشراحٍ لم يطعم أحد منهم طعامًا حتى ينجلي ذلك الأمر عن رسول الله ﷺ وكانوا يكثرون عند ذلك الصلاة في المساجد والبيوت، وكان ﷺ يجهر في كسوف القمر على الدوام"، لأنها صلاة ليلية.
"وكان إذا هبت ريح حمراء يسمع له نشيج من شدة كتم البكاء ويصير يدخل إلى حجر نسائه ويخرج ثم يدخل ثم يخرج ولا يكلم أحدًا" مهتمًا بالحال والوضع والشأن خشية نزول العذاب، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ) [الأنفال-33]، وهكذا جاء حتى في السحب إذا طلعت كان يُرى أثر ذلك على وجهه ﷺ وعدم استقراره حتى ينزل المطر أو ينكشف السحاب، هيبةً لله تعالى، وإجلالًا لعظمته، وخشيةً من عقابه.
قال: "وكان علي -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ إذا هاجت ريح شديدة فزع إلى المسجد حتى يسكن الريح ويقول: "إن الله -عز جل- إذا أنزل إلى الأرض بلاء صرفه عن أهل المساجد".
قال: "وكان إذا هبت ريح حمراء يسمع له نشيج من شدة كتم البكاء -اللهم صلي عليه وعلى آله- ويصير يدخل إلى حجر نسائه ويخرج ثم يدخل ثم يخرج ولا يكلم أحدًا، وكان علي -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ إذا هاجت ريح شديدة فزع إلى المسجد حتى يسكن الريح ويقول: "إن الله -عز جل- إذا أنزل إلى الأرض بلاء صرفه عن أهل المساجد"، فتصرف البلايا والآفات بالصلوات وبالأذكار وبالرجوع إلى الله -تعالى-.
قال: "وكان ﷺ إذا حدث في السماء حدث من كسوف شمس أو قمر يكون مفزعه إلى المصلى حتى ينجلي، وكان ﷺ يحث الناس على الصدقة والاستغفار والذكر في الكسوفين ويقول: "إذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا وأعتقوا حتى ينجلي".
قال: "خاتمة: كانت الصحابة -رضي الله عنه- لا يصلون لمثل الزلازل، وكان عمر -رضي الله عنه- يخطب للزلزلة ولا يصلي، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يصلي للزلزلة ركعتين في كل ركعة ركوعان ثم يقول: هكذا صلاة الآيات".
فقاس عليها غيرها من الآيات على الكسوفين، إذًا يفوت صلاة الكسوف أما بانجلاء الشمس وذهاب الأثر، وخلاف انجلاء البعض فلا يزال وقت الصلاة باقي، الثاني بغروبها كاسفة، إذا غربت الشمس كاسفة انتهى سلطان النهار فلا يصلى صلاة كسوف الشمس في الليل؛ كذلك القمر بالانجلاء وبطلوع الشمس إذا طلعت الشمس خلاص انتهى.
فإذا حال سحاب؛ وما عاد رأى الآن في كسوف أو ما في في خسوف أو ما في وقد رؤي الخسوف أو الكسوف يستمروا في الصلاة؛ الأصل بقاء الكسوف.
وإذا غاب القمر وهو خاسف قال المالكي: خلاص لا يصلي.
والشافعية يقولوا: أنه لا يزال الليل سلطان القمر فلا يزال ما دام الشمس لم تطلع فيصلى للقمر وإن غاب خاسفًا.
والأئمة الثلاثة يقولون: لا خطبة لصلاة الكسوف، "إذا رأيتم ذلك فادعوا الله كبروا صلوا تصدقوا" لما جاء في الحديث، ولكن ثبت عنه ﷺ الخطبة؛ فلذا قال الشافعية: يسن أن يخطب لها بعد الصلاة خطبتان كخطبتي العيد، لما جاء عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله ﷺ لما فرغ من الصلاة قام وخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لايخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا".
أما في الرؤيا من رأى شمسًا كسفت أو القمر خسف فهذا يدل على أن عظيمًا من عظماء الناس ومن عظماء الأرض ينقطع؛ فتؤول بذلك بالنسبة للرؤيا، أما وقوعها فلا يكون لأجل موت أحد ولا لحياة أحد، وإنما في التأويل في الرؤيا فإن الشمس قطب هذه النجوم والكواكب؛ فرؤية كسوفها دليل على موت أحد الأقطاب أو المقربين.
وجاء عن ابن عباس قال: "أن النبي ﷺ صلى صلاة الكسوف فلم نسمع له صوتًا"، فلا يجهر في الكسوف.
لكن عن الإمام أحمد قال: مثل العيد ومثل الاستسقاء يجهر إن كانت كسوف شمس، وهي رواية عن مالك؛ ولكن المشهور عن مالك كالحنفية والشافعية: أنه لا يجهر في صلاة الكسوف إنما يجهر في صلاة الخسوف.
رزقنا الله الاعتبار والإدّكار وجعل لنا حسن تدبر للآيات وحسن إنابة وإخبات حتى يزداد إيماننا في كل ساعة، وأن نرقى مراقي القرب منه ومن حبيبه محمد نبي الشفاعة وأن يفرج كروب أمته ويدفع البلاء عنهم ويصلح شأنهم ويوفر حظنا وإياكم مما بقي لنا في رجب وفي شعبان، ويبلغنا رمضان ويعيننا على الصيام والقيام ويحفظنا من جميع الآثام والأمراض والأسقام ظاهرة وباطنة في خير ولطف وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة.
15 رَجب 1446