كشف الغمة 255- كتاب الصلاة ( 145) ما يحل ويحرم من اللباس (4 )

كشف الغمة
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 255- كتاب الصلاة ( 145) ما يحل ويحرم من اللباس (4 )

 

نص الدرس مكتوب:

"وكان ﷺ ينهى الرجال عن لبس خواتم الذهب ويقول: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده"، وكان ﷺ ينهى عن لبس المعصفر من الثياب ويقول: "إنها من ثياب الكفار فلا تلبسوها ولا بأس بها للنساء"، وكان ﷺ يرخص في لباس الأحمر المصبوغ بغير العصفر كالمغرة، وكان إبراهيم النخعي يلبس اللباس المصبوغة بالزعفران والعصفر، وكان من يراه لا يدري أمن العلماء هو أم من الفتيان، وكان عون بن عبد الله بن عتبة -رضي الله عنهم- يلبس الخز أحيانًا والصوف أحيانًا فقيل له في ذلك فقال: ألبس الخز لئلا يستحي ذو الهيئة أن يجلس إليَّ، والصوف لئلا يهابني ضعفاء الناس، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "سأل رجل رسول الله ﷺ عما يلبس فقال: "أما أنا فلا أركب الأرجوان ولا ألبس المعصفر ولا ألبس القميص المكفف بالحرير". 

 

وكان ﷺ يلبس الثياب البيض والخضر والسود والبرد والحبرة، وكانت الحبرة أحب الثياب إلى رسول الله ﷺ، وكان العباس -رضي الله عنه- يلبس الثياب النقية البيض فجاء يومًا إلى رسول الله ﷺ وهو عليه ثياب بيض فلما نظر إليه النبي ﷺ تبسم فقال العباس: يا رسول الله ما الجمال؟ قال: صواب القول بالحق، قال: فما الكمال؟ قال: حسن الفعال بالصدق"، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لبست مرة حلة فنظر إلي الناس فقلت: ما تعيبون علي لقد رأيت على رسول الله ﷺ أحسن ما يكون من الحلل ورأيته مرة لابسًا جبة مبطنة ومرة جبة رومية ضيقة الكمين".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، عبده وحبيبه وصفيه سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه في كل نفس ولمحة وعلى آله وصحابته، وعلى أهل ولائهِ ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، خيرة الرحمن من خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا ومعهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

يقول: وكان ﷺ ينهى الرجال عن لبس خواتم الذهب ويقول: "يعمد أحدكم -وفي لفظ "أيعمد أحدكم"- إلى جمرة من نار فيجعلها في يده"، وهذا الذي ذكره الحديث وقع لرجل أنه جاء وكان لابسًا خاتمًا من ذهب، فأخرجه  من إصبعه ورماه، وقال له: "أيعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده"، إشارة إلى أنه بعد النهي يتعرض المرتكب لهذا النهي لعذاب النار -والعياذ بالله تبارك وتعالى-؛ وهي في المكان الذي عُصي الله به من الجسد أشد حرقًا ووقوعًا عليه، فيقع على الإصبع الذي تختَّم بالذهب ولم يتب من ذلك احتراق شديد في المكان الذي كان يلبس فيه الخاتم أشد من باقي الجسد، فتتبع النار مواضع المعصية من الجسد، فتشتد على محل الذنب ومحل المعصية -والعياذ بالله تبارك وتعالى- فبقي الخاتم مرمي قام الرجل فلمّا انفضّ المجلس وقالوا له: أتأخذ خاتمك؟ وقال: لا والله لا آخذه وقد رماه رسول الله، ما عاد أريد هذا الخاتم ولا عاد يريد لا يعطيه المرأة ولا غير ذلك، وتركه بغضًا لما حُرِّم.

وبذلك علمنا: 

  • إجماع الفقهاء على تحريم استعمال حُليّ الذهب للرجال، وقال: "أُحِلَّ الذهب والحرير لإناث أمتي وحُرِّم على ذكورها".

  • وفي كلام الإمام أحمد بن حنبل ما يستثني فص الخاتم من الذهب إن كان يسيرًا فإنه يجوز عنده واختاره كذلك بعض الحنفية.

وجاء في صحيح البخاري أن النبي  نهى عن خاتم الذهب، يعني للرجال، سواءً كانوا صغارًا أو كبارًا ففيه الخلاف، كيف؟ - يقول الحنفية وهو كذلك رواية عند الحنابلة ووجه حتى عند الشافعي: أنه محرم لبس الذهب على الذكور صغارهم وكبارهم إلا للضرورة.

  • ويقول المالكية: يجوز لبس الصبي الذهب مع الكراهة، وهكذا الشافعية في الأصح عندهم أنه يجوز ما دام قبل البلوغ، وقيل: إلى سبع سنوات، وقيل: كما جزم به البغوي إلى سنتين، في السنتين وما دونها يجوز أن يلبس ذهبًا أو فضة وبعد ذلك لا يجوز.

 

يقول: "وكان ﷺ ينهى عن لبس المعصفر"؛ وهو الثوب الذي صُبغ بالعصفر؛ المعصفر من الثياب، ويقول: "إنها من ثياب الكفار فلا تلبسوها ولا بأس بها للنساء"، إذن فأيضًا المعصفر ومنه ما يأتي أيضًا من أنواع الألوان؛ يقول: "وكان ﷺ يرخص في لباس الأحمر المصبوغ بغير العصفر كالمغرة، وكان إبراهيم النخعي يلبس اللباس المصبوغة بالزعفران والعصفر، وكان من يراه لا يدري أمن العلماء هو أم من الفتيان، -بسبب اللباس-، وكان عون بن عبد الله -رضي الله عنهم- يلبس الخز أحيانًا والصوف أحيانًا فقيل له في ذلك فقال: ألبس الخز لئلا يستحي ذو الهيئة أن يجلس إليَّ، والصوف لئلا يهابني ضعفاء الناس، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "سأل رجل رسول الله ﷺ عما يلبس فقال: "أما أنا فلا أركب الأرجوان ولا ألبس المعصفر ولا ألبس القميص المكفف -المكلف- بالحرير". وتقدم معنا الأرجوان رحْل يوضع على الدابة من لباس مخصوص هو أحمر. 

إذًا في ألبسة الثياب المزعفرة والمعصفرة:

  • يقول الشافعية: يحرم على الرجل لبس ذلك، وإذا كان مزعفر أومعصفر بالنسبة للمحرم بالإجماع يحرم عليه لبسه لأنه فيه طيب.

  • ويقول الحنفية والحنابلة: يكره لبس الثياب المزعفرة والمعصفرة للرجال دون النساء، وفي الحديث لما رأى ﷺ على عبد الله بن عمر ثوبين معصفرين قال: "أأمك أمرتك بهذا؟" -أنكر عليه- فقال: "أأغسلهما؟" قال: "بل أحرقهما"، هكذا جاء في رواية الإمام مسلم. ويقول سيدنا علي كما تقدم معنا أيضًا في رواية مسلم: "نهاني رسول الله ﷺ عن التختم بالذهب وعن لباس القسي وعن القراءة للقرآن في الركوع والسجود وعن لباس المعصفر".

  • ويقول المالكية: يجوز لغير المحرم لبس المعصفر ونحوه كالمزعفر ما لم يكن مُفْدَمًا، ومعنى مُفْدَمًا: شديد الحمرة، فالمفدم القوي الصبغ الذي رد العصفر عليه مرة بعد أخرى، وإلا كره لبسه للرجال في غير الإحرام، أما في الإحرام فبالإجماع حرام.

  • يقول: الإمام ابن حجر في المزعفر حكمه حكم الحرير حتى لو صبغ بأكثر الثوب حرم، اليسير من الحرير إذا كان قليل يجوز وإذا كان كثير يحرم، وكذلك يقول في الإمداد الأقرب: تحريم ما زاد على أربع أصابع منه المزعفر.

  • وهكذا يقول الرملي في النهاية: إن صح إطلاق المزعفر عليه حرم، ما دام يسمى مزعفر فهو حرام، كذلك المعصفر سواء كان الصبغ قبل نسجه أم بعده، ويقول في الإمداد: إن صُبغ قبل النسج حلَّ وإلا حَرُم،  وجرى الإمام الرملي والخطيب على حِلِّه مطلقًا.

 

ما يتعلق بلبس الأحمر:

  • فيقول بعض الحنفية والحنابلة: إن لبس الأحمر مكروه، ما لونه أحمر متى كان غير مشوب بغيره من الألوان فهو مكروه للرجال وللنساء، كما جاء عن سيدنا البراء يقول: نهانا رسول الله  عن المياثر الحمر والقسي.

ويقول عبد الله بن عمر: يقول أن النبي  مر عليه رجل عليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه النبي ﷺ، أي كراهة للبسه، أما إذا خالطه آخر فلا يضر.

يقول هلال بن عامر عن والده سيدنا عامر يقول: رأيته  بمنى يخطب على بغلة وعليه برد أحمر وعلي أمامه يعبر عنه. 

وكذلك جاء عن البراء بن عازب يقول: كان  مربوعًا وقد رأيته في حلة حمراء لم أرى شيئًا قط أحسن منه كما رواه البخاري.

وهكذا الذي ينقله المحققون عن الحلة الحمراء أنه كان فيها خطوط حمر، ومن المعلوم في العرف عندنا أن إذا شيء مخطط بلون ينسب إليه.

يقال: الرداء الأحمر أو الأصفر، هما أصفر إلا في خطوط صفرة يقولوا ده يسمونه أصفر يسمونه أحمر يسمونه وهكذا. 

إذًا؛ إذا خالطه شيء آخر لون آخر فهو يجوز، وإذا كان أحمر خالص ففيه الخلاف، والحنابلة قالوا بحرمة ذلك. 

 

وكان  مختلف الألوان هذه أو المخطط بها الأصل فيها الجواز، الأصل فيها الجواز؛ إلا ما جاء به الشرع كما تقدم معنا في الميثرة إن كانت من الحرير أو كانت من غير الحرير. 

 

وفي الحديث: "الحبرة أحب الثياب إلى رسول الله ﷺ" كما في صحيح مسلم، برد مخطط من قطن أو كتان في الغالب يكون فيه حمرة. 

وكان  يلبس الثياب البيض وهي أحب الثياب إليه كما ذكر في روايات عنه  : "أحب الثياب إلى الله البيض فالبسوها وكفنوا فيها موتاكم". 

وبخصوص يوم الجمعة يتأكد لبس الأبيض والخضر، وكثيرًا ما يستعملها  لباسًا من الأخضر والسود أحيانًا.

يقول: "وكان ﷺ يلبس الثياب البيض والخضر والسود والبرد والحبرة، وكانت الحبرة أحب الثياب إلى رسول الله ﷺ، وكان العباس -رضي الله عنه- يلبس الثياب النقية البيض فجاء يومًا إلى رسول الله ﷺ وهو عليه ثياب بيض فلما نظر إليه النبي ﷺ تبسم فقال العباس: يا رسول الله ما الجمال؟ قال: صواب القول بالحق، قال: فما الكمال؟ قال: حسن الفعال بالصدق" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

ففسر له الجمال المعنوي والكمال المعنوي كذلك، وصرفه من الحس إلى المعنى، "فما الجمال؟ قال: صواب القول بالحق"، ما تنطق إلا بالحق والقول الصواب، "قال: فما الكمال؟ قال: حسن الفعال بالصدق" ﷺ كما جاء في رواية البيهقي في شعب الإيمان.

 

"وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لبست مرة حلة فنظر إلي الناس فقلت: ما تعيبون علي لقد رأيت على رسول الله ﷺ أحسن ما يكون من الحلل ورأيته مرة لابسًا جبة مبطنة ومرة جبة رومية ضيقة الكمين"، ومن المعلوم أن  كان يلبس ما وجد من كل لائق به، أي شيء يليق به موجود؛ يلبس ما وجد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

والحديث عند النسائي هذا الذي أوردنا: "ألبسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم" و"كفنوا فيها موتاكم".

وفي الحديث في الدعاء يقول ﷺ: "نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس"، فهو أطهر وأطيب، أطيب وأطهر لأنه أدنى شيء يقع عليه يظهر؛ يُغسل ينقّ غير بقية الألوان من الثياب فهو أطهر، وقال في الميت: "نقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس" أي: يستوعب جميع خطاياه ولا تبقى عليه خطيئة، سيدنا عوف بن مالك لما سمع الدعاء من النبي  للميت قال: تمنيت أني أنا ذلك الميت يدعو لي بهذا الدعاء رسول الله ﷺ.

 

يقول بعض الحنفية وكذلك بعض الحنابلة: كراهة لبس أحمر ما ليس معه لون آخر؛ غير مشوب بغير من الألوان للرجال وللنساء. 

وبعضهم الحنفية والمالكية والشافعية يقولون: بجواز ذلك؛ ولكن الأحاديث تدل على أنه خلاف الأولى، أقل ما يكون هو مكروهًا أن يلبس الأحمر الخالص. 

وأما الأسود فلم يرد نهي في استعماله. 

 

وتقول السيدة عائشة: "خرج النبي  ذات غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود" معنى مرحّل: فيه صورة رحال الإبل. 

ويقول الحنابلة: إذا ثوب في أي صورة حيوان يحرم لبسه، يحرم لبس أي ثوب في صورة حيوان، اتخاذه وسائد نعم؛ أما لبسه حرام كتعليقه، إذا في صورة أي حيوان ما يجوز لبسه عند الحنابلة. وكذلك الأصفر مما اتفقوا على جوازه.

يقول سيدنا عبد الله بن جعفر: رأيت على رسول الله  ثوبين أصفرين، وفي اللون الأصفر جاء القرآن في لون البقرة التي أمر الله بني إسرائيل أن يذبحوها، ولما سألوه عن لونها قال: (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)  [البقرة: 69]. 

وذهب بعض الفقه إلى استحباب الأخضر لأنه لباس أهل الجنة، قال: (عَـٰلِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ) [الإنسان: 21]. 

ويقول أبو رمثة: رأيت رسول الله  وعليه بردان أخضران، رواه أبو داود بسند صحيح.

والمخطط هذا يقال له: الحِبَرَة، لهذا جاء أيضًا عن أنس بن مالك قال: "كان أحب ثياب النبي  صلى الله عليه وسلم يلبسها الحِبَرَة"، ثوب مخطط بألوان صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.

 

رزقنا الله الاستقامة، واتحفنا بالكرامة، فتولانا بما هو أهله في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة ودار المقامة، ودفع السوء عنا وعن الأمة، وكشف عنا وعنهم الأمة، وحول الأحوال إلى أحسنها، ورد كيد أعداء الله في نحورهم، ووقى المسلمين جميع شرورهم، وألف بين قلوبهم وكلماتهم وقلوبهم، يا منزل الكتاب، يا منشئ السحاب، يا سريع الحساب، يا هازم الأحزاب، اهزم أعداءك أعداء الملة والشريعة والمعتدين والغاصبين والظالمين من اليهود ومن والاهم، وزلزلهم واجعلهم عبرة للمعتبرين، وأصلح شؤوننا بما أصلحت به شؤون الصالحين، وضاعف وأعظم لنا البركة في ليالي رجب وأيامه وساعاته ولحظاته وأنفاسه، وفي شعبان وبلغنا رمضان، وأعنا على الصيام والقيام، واحفظنا من الآثام، واحفظنا في سمعنا وزدنا من نوالك بما أنت أهله في لطف وعافية.

بسرِّ الفاتحة  

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

07 رَجب 1446

تاريخ النشر الميلادي

06 يناير 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام