كشف الغمة 253- كتاب الصلاة ( 143) مواصلة الحديث عن: ما يحل ويحرم من اللباس

كشف الغمة
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 253- كتاب الصلاة ( 143) ما يحل ويحرم من اللباس

 

نص الدرس مكتوب:

"وكان ﷺ يقول: "الارتداء لبسة العرب والالتفاع لبسة الإيمان"، وكان ﷺ يحث على إظهار النعمة بلُبْس الثياب الحسنة ويقول: "إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، ورأى رسول الله ﷺعلى أبي الأحوص ثوب دونٍ فقال له: "ألك مال؟ قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: من كل المال قد أعطاني الله -تعالى- من الإبل والبقر والغنم والخيل والرقيق، قال: فإذا آتاك الله مالًا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته".

 

قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: وكان رسول الله ﷺ ينهى عن هاتين اللبستين المرتفعة والدون. قال ثابت بن زيد -رضي الله عنهما-: ورأيت لتميم الداري -رضي الله عنه- حلة اشتراها بألف درهم كان يلبسها في الليلة التي يرجو أنها ليلة القدر فقط، وقال سفيان الثوري: كانت كسوة بكر بن عبد الله المزني التابعي قيمتها أربعة آلاف درهم، وكان بكر بن عبد الله المزني -رضي الله عنه- يقول: "أدركنا أصحاب رسول الله ﷺ، وكان الذين يلبسون لا يعيبون على الذين لا يلبسون والذين لا يلبسون لا يعيبون على الذين يلبسون"، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: "لبس رسول الله ﷺ ثوبين قطريين فكان إذا قعد فعرق ثقلا عليه"، والقطري نوع من البرود فيه خشونة. 

 

وكان ابن أبي مليكة -رضي الله عنه- يقول: "أهدي لرسول الله ﷺ أقبية من ديباج مزررة بذهب فقسمها بين أصحابه وعزل واحدة منها لمخرمة فلما بلغ مخرمة جاء إلى رسول الله ﷺ فلما بلغ باب داره خرج ﷺ إليه وهو لابسها يريه محاسنها، وكان في خلقه شيء فلما رآه مخرمة تهلل وجهه قال رضي مخرمة"، قال أنس -رضي الله عنه-: وكان رسول الله ﷺ إذا استأذن عليه مخرمة يقول: "بئس أخو العشيرة فإذا دخل عليه أكرمه وألان له الكلام"، وهذه القصة كانت قبل تحريم لبس الحرير فلما حرم نهى عنه رسول الله ﷺ وصار يقول: "أحِلَّ الحرير والذهب للإناث من أمتي وحُرِّمَ على ذكورها"، وكان بعد ذلك إذا أهدي إليه حلة حرير شققها خمرًا بين النساء، وكان ﷺ ينهى عن الجلوس على الحرير والديباج كما ينهى عن لبسه".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وصفيه سيدنا محمد  وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وأتباعه وأهل مودته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله، خيرة الرحمن في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين.

ويواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر ما ورد فيما يتعلق بشأن اللباس، ويقول: كان ﷺ يقول: "الارتداء" أي:وضع الرداء على الكتف "الارتداء لبسة العرب والالتفاع" وضعه على الرأس وتغطية شيء من الوجه بها، "الالتفاع" يقول : "لبسة الإيمان" أي: أهل الإيمان لما ينتابهم من الحياء، وكانوا يسمون لبس الرداء مع تغطية الرأس وشيء من الوجه يسمونه الخلوة الصغرى -طيلسان-، لأن أصل المقصود من ذلك وجود الحياء من- الله تبارك وتعالى-، والجمعية عليه بعدم الالتفات إلى الأشياء من حواليه، فبذلك لأجل ذلك يتطيلس.

قال: "الارتداء لبسة العرب" ومنتشر بينهم، وهو من بقايا ما كان من سنن سيدنا الخليل إبراهيم -عليه السلام-، وكان مواظبًا عليه  في كثير لأكثر أحواله الارتداء، فإما أن يوضع على الكتف الأيمن أو على الأيسر، وإما أن يوضع الكتفين لكي يدار طرفه إلى الخلف، وأما إسبال طرفيه فقط على الرقبة فيقال: أن ارتداء اليهود يضعونه فقط، فإما أن يرد إلى هنا إلى هنا، أو يجعله على جانب واحد، أو يضع طرفه على الكتف الأيمن مقبلًا، ويدير من خلف ظهره الطرف الثاني ويضعه على اليسار مدبرًا، فهذه كيفية الارتداء.

يقول: "الارتداء لبسة العرب، والالتفاع لبسة الإيمان، وكان ﷺ يحث على إظهار النعمة بلبس الثياب الحسنة، ويقول: "إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، الاعتراف بالنعمة وشكرها من سبب الرضا والمزيد.

"ورأى ﷺ على أبي الأحوص ثوب دونٍ" أي: نازل جدًا عما يستعمل؛ بعيدًا عن الوسط إلى جانب الدون، فقال له: "ألك مال؟ قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: من كل المال، قد أعطاني الله تعالى من الإبل والبقر والغنم والخيل والرجل، قال: فإذا آتاك الله مالًا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته". 

وفيه بيان ما يأتي في الحديث بعده.

"قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: وكان رسول الله ﷺ ينهى عن هاتين اللبستين المرتفعة والدون"، ويأمر بالتوسط، وينهى عن التفاخر باللباس والثياب، وعن قصد تميز اللباس عن الآخرين، وطلب الرفيع منه، كما ينهى عن لبس الدون مع القدرة على الوسط، وذلك إما بخلًا وإما رياءًا وإما استجداءًا للناس، وكل ذلك من المفاسد.

يلبس لبس دون إما ببخل من عنده؛ وإما ليرى أنه زاهد وأنه متكشف وأنه قانع؛ وإما استجداءًا ليرقوا له فيعطوه ويستجدي بذلك، وكل ذلك من المفاسد، فلا ينبغي أن يقصد لبسة الدون إلا من لم يجد، فحاله بصفاء قلبه وصلاح قصده مع الله حاله يكون حسن، كما كان حال الكثير من أهل الصفة وبعض الصحابة، لبس الدون ليس عن قصد منهم، ولكن لقلة ذات اليد أو لعدم وجود وإلا فالذي ينبغي لبس المتوسط.

فعلمنا:

  •  أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. 

  • وعلمنا سنية اتخاذ الزينة عند كل مسجد، وفي مثل يوم العيدين، وعند المناجاة لله  في  أخر الليل  إلى غير ذلك. 

  • وعلمنا أن من لبس ثوب شهرة كان حقًا على الله أن يذله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

"قال ثابت بن زيد -رضي الله عنهما-: ورأيت لتميم الداري -رضي الله عنه- حلة اشتراها بألف درهم كان يلبسها في الليلة التي يرجو أنها ليلة القدر فقط" ليالي رمضان، تميم الداري صحابي مشهور و"قال سفيان الثوري: كانت كسوة بكر بن عبد الله المزني التابعي قيمتها أربعة آلاف درهم وكان بكر بن عبد الله المزني رضي الله عنه: أدركنا أصحاب رسول الله ﷺ، وكان الذين يلبسون لا يعيبون على الذين لا يلبسون والذين لا يلبسون لا يعيبون على الذين يلبسون" أي: كلٌ بحسب ما يتيسر له.

وفي هَدْيِهِ ﷺ كان يلبس ما وجد، أي: أي شيء لائق به يلبسه ﷺ، لا يتكلف ولا يتعمد إظهار الخشونة والضعف، يلبس ما وجد كما يأكل ما وجد؛ فينبغي الاقتداء به عليه الصلاة والسلام، فكان حال الصحابة، منهم من يجد فيستعمل من الثياب الحسنة ما يظهر عليه أثر نعمة الله عليه، ومنهم من لا يجد فيكون في الثياب بدون، فلا هذا ينكر على هذا، ولا هذا ينكر على هذا، ولا هذا يتعجب من هذا، ولا هذا يتعجب من هذا، فالكل في دائرة الامتثال للأمر.

إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ***فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ

أي ثوب يرتديه جميل؛ ما دام عنده لبسة التقوى، فما لبسه فهو حسن، والمشكلة إذا عِري عن لباس التقوى وتدنس عرضه بالإثم، هذا ما ينفعه اللباس ولو لبس ما لبس.

فيستحب التزين للصلاةِ خشوعًا للحق، واستحضارًا لعظمته، وإظهارًا لأثر نعمته، وبذلك يكره له أن يصلي وهو مكشوف الكتفين، وإن لم يكن له إلا ثوب واحد يضع بعضه على عاتقه، فإذا يصلي في ثوبين أو أكثر، وقد علمت ما جاء في ثواب من صلى بالقميص أو بالجبة أو بالرداء أو بالعمامة إلى غير ذلك مما ورد في السنة الشريفة.

وجاء أيضًا عند أبي داود وغيره عن سيدنا عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن له إلا ثوب واحد فليتَّزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود"، وهكذا قال يجزئ الثوب الواحد والثوبان أحسن؛ والأربع أكمل قميص وسراويل وعمامة إزار.

ورأى ابن عمر نافعًا يصلي في ثوب واحد، فقال: ألم أكسُكَ ثوبين؟ فقلت: بلى. قال: أرأيت لو أرسلتك إلى فلان أكنت ذاهبًا في هذا الثوب؟ فقلت: لا، فقال:الله أحق من تزين له أو من تزينت له.

أوقال: فالله أحق أن يتزين له أم الناس؟! قلت: بل الله، قال: فتزين لإقامة الصلاة، وهو معنى قوله (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الأعراف:31]، أي: إذا أردتم السجود له والدخول في الصلاة فخذوا زينتكم. 

"وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: "لبس رسول الله ﷺ ثوبين قِطْرِيَيْنِ فكان إذا قعد فعرق ثقلا عليه"، والقطري: نسبة إلى القِطر، هذا يقول نوع من البرود اليمانية تتخذ من قطن، وفيها بعض أعلام مع خشونة وخطوط حمراء، فيقال له الثوب القِطْرِي. وفي لفظٍ ورواية قَطَرِي بالنسبة إلى قَطَر كان يصنع فيها البرود والثياب، قال: "والقطري نوع من البرود فيه خشونة".

"وكان ابن أبي مليكة -رضي الله عنه- يقول: "أهدي لرسول الله ﷺ أقبية من ديباج مزررة بذهب فقسمها بين أصحابه وعزل واحدة منها لمخرمة فلما بلغ مخرمة جاء إلى رسول الله ﷺ فلما بلغ باب داره خرج ﷺ إليه وهو لابسها يريه محاسنها، وكان في خلقه شيء فلما رآه مخرمة تهلل وجهه قال رضي مخرمة" فكان يراعي الطباع.

"قال أنس -رضي الله عنه-: وكان رسول الله ﷺ إذا استأذن عليه مخرمة يقول: "بئس أخو العشيرة فإذا دخل عليه أكرمه وألان له الكلام. وهذه القصة كانت قبل تحريم لبس الحرير فلما حرم نهى عنه رسول الله ﷺ وصار يقول: "أحِلَّ الحرير والذهب للإناث من أمتي وحرم على ذكورها" وجاء في الحديث أنه صعد المنبر وحمل قطعة من ذهب وقطعة من حرير، وقال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي، حِلٌّ لإناثهم"، "وكان بعد ذلك إذا أهدي إليه حلة حرير شققها خُمرًا بين النساء" جَمْعُ خِمار، بين النساء.

"وكان ﷺ ينهى عن الجلوس على الحرير والديباج كما ينهى عن لبسه"، فلا يجوز للرجل أن يلبسه ولا أن يجلس عليه يتخذه فراش، ولله أعلم.

رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، و رفع عن الأسوأ، وأصلح السر والنجوى، بفضل جوده وعظيم إسعاده في لطفٍ وعافية.

بسر الفاتحة  

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

05 رَجب 1446

تاريخ النشر الميلادي

04 يناير 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام