كشف الغمة 250- كتاب الصلاة (140) باب: صلاة الخوف
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 250- كتاب الصلاة ( 140) باب : صلاة الخوف
صباح الأحد 28 جمادى الآخرة 1446 هـ
نص الدرس مكتوب:
باب صلاة الخوف
"كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "صلى رسول الله ﷺ على أحوال مختلفة بحسب الوحي في ذلك فيوم ذات الرقاع فرقهم فرقتين فرقة صفت معه وفرقة وقفت تجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا تجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسًا فأتموا لأنفسهم فسلم بهم"، وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: "صلى بنا رسول الله ﷺ بذات الرقاع فأقام الصلاة وصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكان للنبي ﷺ أربع وللقوم ركعتان".
وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: صلى بنا رسول الله ﷺ بذي قرد فصف الناس خلفه صفين صفًا خلفه وصفًا موازي العدو فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا"، وبقي كيفيات أخر مذكورة في المطولات وإذا كان الناس في هذا الزمان ضيعوا الصلاة في الأمن فكيف بأيام الخوف".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مُكْرِمِنا بالشريعة وبيانها على لسان من جمع الله له الحُسْنَ جميعًا؛ سيدنا محمّد ابن عبد الله صلّى الله وسلم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وأصحابه ومن سار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خلاصة أهل قرب الله وحبه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين.
ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله- بعض ما ورد فيما يسمى عند الفقهاء بصلاة الخوف، وذلك أنه نزل على النبي ﷺ وهو في الجهاد في سبيل الله كيفية للصلاة ليصلي الجميع خلفه ﷺ فيقسم الصلاة بهم، قال تعالى: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾ [النساء:102]، فكان يمكن أن يصلي بطائفة، ويأمر واحدًا يصلي بالطائفة الآخرين، فينقص على الآخرين أنه ليس إمامهم رسول الله ﷺ، وليس له مثيل، فلذا أقرّ الحق تعالى في القرآن مشاعر الصحابة هذه، وحرصهم على الصلاة خلفه، وعبر بـ (مَعَكَ).. ﴿فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾ [النساء:102] فكانت الصلاة شأنها شأن، وبقي ذلك أيضًا بعده ﷺ.
فأمير الجيش أيضًا يقسم الجيش، ويصلي الجميع خلف أميرهم.
-
ويُرجى أن تكون مضاعفة الصلاة خلف الأمير أكثر، وهكذا قال جماهير أهل العلم.
-
وإنما قال المزني من الشافعية: بأنه نُسِخَت صلاة الخوف، كما قال ذلك أبو يوسف من الحنفية وابن علية من المالكية.
-
ولكن الجمهور في المذاهب الأربعة على أن هذه الصلاة باقية بعده ﷺ أيضًا، وحكمها باقٍ، والمراد كيفية الصلاة، لا صلاة مخصوصة تُنشأ من أجل الخوف، ولا نقص في الركعات ولا شيء من هيئة الصلاة وإنما الكيفية، فالكيفية كيف يصلون جماعة؟
وفيه الحرص على الجماعة حتى أوقات شدة الخوف، فما عذر الذي يتساهل بالجماعة وهو في أمن وفي طمأنينة يتكاسل ويتساهل! حتى وقت الجهاد والحرب قال صلّوا جماعة؛ في مثل هذا الحال الذي يصطفون في صفين، وفي وقت التحام الحرب، وقت التحامهم في الحرب أيضًا يصلون جماعة، ويُغتفر لهم أن يكون الإمام أمامه أو خلفه أو عن يمينه أو عن شماله حيثما كان، ويومؤون بالركوع والسجود، فما أعظم صلاة الجماعة.
ولم يُنقل عنه ﷺ ولا أحد من الخلفاء الراشدين-رضي الله عنهم- أنه صلّى فرضًا واحدًا منفردًا قط؛ فما كانوا يصلون إلا جماعة.
وورد: "من حافظ على الجماعة في الصلوات الخمس فقد ملأ البر والبحر عبادة"، ففيه أيضًا الحثّ على صلاة الجماعة.
يقول: "كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "صلى رسول الله ﷺ على أحوال مختلفة بحسب الوحي في ذلك"، أي: بما يوحي الله إليه، لأنه قد يكون العدو في جهة القبلة، وقد يكون في جهة أخرى، فإذا كانوا في جهة القبلة يحتاج أن يجعلهم صفّين، ويصلّي الجميع معه، ولكن صف منهم والمراد: جزء منهم؛ ما هو عدد صف أو صفين أو أقل، أو أكثر، جزء منهم يركعون معه ويسجدون في الركعة الأولى، ويبقى الجزء الآخر قائمين ينظرون إلى العدو، فإذا قام ركع وسجد الذين كانوا يحرسون، فإذا قام للركعة الثانية لحقوه، فإذا ركع فالذين حرسوا -الجزء الذين حرسوا في الركعة الأولى- يركعون معه، والجزء الأول يبقون قائمين ينظرون جهة العدو، حتى إذا رفع من السجدة ركعوا وسجدوا، وأدركوا التشهد معه وصلّى بهم؛ وهذه إحدى كيفيات الصلاة.
ثم قد يكون العدو في غير جهة القبلة، ويحتاج إلى أن يجعل في جهة العدو جزء من الجيش، ويذهب بجزء إلى مكان آخر بعيد لا يصل إليهم سهام العدو، فيصلي بهم، فهنا إذا قام من الركعة الأولى إلى الثانية في الثنائية -إن كان قصرًا أو جمعة أو عيدين، ونحو ذلك ثنائية أو صبحًا- فإذا قام إلى الركعة الثانية استقام الإمام قائمًا، وأكمل هؤلاء ركعتهم وحدهم وسلموا، وذهبوا إلى مكان الحراسة، وجاء الذين كانوا يحرسون فيصطفون خلف الإمام، فيصلون معه الركعة الثانية، فإذا رفع من السجدة الثانية قاموا هم إلى ركعتهم يكملونها، ثم يدركون معه التشهد والتسليم، فالتحريم للأولى والتسليم للثانية.
وقال بعض الأئمة كالحنفية وغيرهم: بل يسلم وهم يكملون الركعة الثانية وحدهم.
قال: "فيوم ذات الرقاع فرقهم فرقتين"؛ لأن يوم الرقاع وذي قرد وذات النخل، كلها مواطن صلّى فيها ﷺ صلاة الخوف على كيفيات، قال: "فرقة صفت معه" ﴿فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ﴾ [النساء: 102]، "وفرقة وقفت تجاه العدو" العدو في غير جهة القبلة، "فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم"، كمّلوا الركعة "ثم انصرفوا تجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسًا فأتموا لأنفسهم فسلم بهم".
-
وعلى هذا جاء مذهب الإمام الشافعي، وقالوا: إذا قام إلى الثانية في الثنائية، أو إلى الثالثة في الثلاثية أو الرباعية، إن كانت رباعية أو ثلاثية مثل المغرب، فيصلّي بالفرقة الأولى الركعتين ويقوم إلى الثالثة فينتظر مكانه، فماذا يعمل؟ يطيل، يبقى قائمًا حتى يكمّل هؤلاء ويذهبون، وتأتي الفرقة الأخرى، فإذا جلس للتشهد قاموا وأتمّوا الصلاة، والإمام ينتظرهم، إذا لحقوه سلّم بهم.
-
لكن أيضًا الإمام مالك يقول: يسلّم الإمام ولا ينتظرهم، إذا سلّم قضوا ما فاتهم وقاموا.
-
وقال أبو حنيفة: إذا قام إلى الثانية لم يتمّ المقتدون به الصلاة، وهذا من أغرب الكيفيات، الكيفية عند أبي حنيفة أنهم لا يكملون ركعتهم، بل يذهبون ساكتين إلى مواجهة العدو، وهم بعدهم في الصلاة، فيذهبون بعذر ويبقون محلهم، فإذا صلّى هؤلاء يرجعون ويعتبرون كالمَسبوقين الآن، فيصلّون حتى من غير قراءة عندهم، لأنهم مأمومين يعتبرون، فيكملون صلاتهم، فهذا في مذهب الإمام أبي حنيفة أنهم لا يتمّ المقتدون الصلاة، ويذهبون إلى مكان الفرقة التي كانت تحرس وهم في الصلاة يقفون سكوتا، وتأتي تلك الطائفة وتصلّي مع الإمام ركعته الثانية، إذا سلم أيضًا الطائفة الثانية تذهب سكوتًا إلى محل مواجهة العدو، ويأتون أولئك إلى مكان الصلاة ويتمّونها أفذاذًا -أفرادًا-؛ ثم إذا كمّلوا تأتي الطائفة أيضًا الأخرى ويصلّوا ما بقي لهم من الصلاة، ويتشهدوا ويسلموا، هذه الكيفية عند الحنفية في صلاة الخوف.
يقول: "وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: "صلى بنا رسول الله ﷺ بذات الرقاع فأقام الصلاة وصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكان للنبي ﷺ أربع وللقوم ركعتان"، هذه طريقة أخرى، جاء في رواية البخاري ومسلم وأحمد في المسند: يصلي ركعتين بالأولى ويسلّم بهم، ثم يعيد الصلاة مرة أخرى، فيصلّي ركعتين بالفرقة الثانية، فهذه صلاته في ذات الرقاع.
"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: صلى بنا رسول الله ﷺ بذي قرد فصف الناس خلفه صفين صفًا خلفه وصفًا موازي العدو فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا"، وبقي كيفيات أخر مذكورة في المطولات"، وبقيت كيفيات أخر مذكورة في المطولات، ولكن هذه الأربع الكيفيات هي الأشهر.
الرابعة منها إذا كانوا في التحام الحرب، في التحام يعذرون في الكرّ وفي الفرّ وفي الضرب، ويومؤون بالركوع والسجود، ويجوز أن يكون الإمام أمامهم، أو وسطهم، أو خلفهم، وهذه كيفية شدة الخوف في التحام الحرب، وفي التحام الحرب صلّوا مهما أمكنهم ركبان أو بالإيماء.
ولهذا قال سبحانه وتعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) [البقرة: 239]، قال: مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، هذا وقت التحام الحرب، حتى لا يخرج وقت الصلاة وهم بلا صلاة، وهكذا.
"وإذا كان الناس في هذا الزمان ضيعوا الصلاة في الأمن فكيف بأيام الخوف" -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، فما أعظم ركن الصلاة في الإسلام، وما أكبره عند الله تعالى.
نسأل الله أن يحيّي في الأمة تعظيم شعائره، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه وزواجره، حتى يكشف عنّا وعنهم الغُمم، ويجلو عنّا وعنهم الظلم، ويدفع عنّا وعنهم النقم، ويرد عنّا وعنهم كيد أهل الظلم والعدوان والطغيان والفسوق والكفر، إنه أكرم الأكرمين.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
29 جمادى الآخر 1446