تفسير سورة الشورى -09- من قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ..} الآية 25 - 27

للاستماع إلى الدرس

الدرس التاسع من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الشورى، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1446هـ ، تفسير قوله تعالى:

وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) 

الخميس 20 رمضان 1446هـ 

 

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله مكرمنا بالذكر الحكيم، وشريف التعليم على لسان حبيبه الكريم، سيدنا محمد الهادي بإذن إلهه إلى الصراط المستقيم. اللهم أدم منك الصلوات وأزكى التسليم على عبدك الفخيم سيدنا محمد ذي الخلق العظيم، وعلى آله وأصحابه ومن سار على منهجهم القويم، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد؛

فإننا في فضل تأملنا لكلام ربنا، ونعمة تدبرنا لآياته، مررنا على معاني من سورة الشورى حتى وصلنا إلى قوله جلَّ جلاله: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)).

بعد أن بيَّن لنا شؤون الفريقين، ومن يريد حرث الدنيا ومن يريد حرث الآخرة، وأهل الجنة وأهل النار، وعظيم ما أعدَّ للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وشنيع ما جعل من مآل الكفار والمعاندين لأوامره وأوامر رسله -صلوات الله وسلامهم عليه-، مع ذلك ذكَر فسح المجال لكل مُدْبِرٍ، ولكل عاصٍ، ولكل مُنْكِرٍ، ولكل ملحد، ولكل جاحد أن يتوب، ولكل مقصر من المؤمنين؛ يقول: 

  • (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ)، الغني عنكم الذي لا يحتاج إليكم، يقبل التوبة منكم؛ رحمة منه بكم وفضلا منه عليكم (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) لا إله إلا هو. 

  • بل يفرح بتوبة عبده؛ رحمة بعبده، وإلا ما يستفيد هو من توبة عبده شيئًا؛ "يا عِبادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي". 

ولكنه هكذا يقبل التوبة عن عباده، وتكون مفتوحة لجميع المكلفين إلى أحد أمرين:

  1. إما بلوغ الروح للحلقوم، فينقطع عنه باب التوبة، وإلا كُلٌّ يتوب. لو كانت التوبة تقبل بعد الموت فلا أحد يبقى إلا تائب، حتى إبليس؛ كلهم يتوبون، ولكن لا تُقبل التوبة بعد الموت ولا عند الغرغرة.

  2. والثانية عند تراسل واسترسال وتوالي علامات الساعة الكبرى ليلة أن تطول على الناس فيصبحون وقد طلعت الشمس من المغرب؛ فحينئذ لا تُقبل التوبة من تائب، وهي الآية التي أشار إليها بقوله: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) -وهو طلوع الشمس من مغربها- (لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) [الأنعام:158]. 

وفي الخبر أنَّ باب التوبة عرض مسيرة سبعين عاماً لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها.

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ) وفي القراءة الأخرى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) فتأتي: 

  • (عَنْ) هنا بمعنى: يُزيل عنهم أثر الذنوب، يَقبْل التوبة عنهم؛ فيُزيح عنهم أثر الذنوب والسيئات والمعاصي. 

  • وكذلك (مِنْ عِبَادِهِ) في لفظ آخر قد يأتي بمعنى: منه، أو (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ)، يستلمها منهم فيغفر لهم. 

وكذلك يحمل معنى (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عنْ عِبَادِهِ) ما يحصل من استغفار وتوبة الأكابرِ عن ذويهم وأهاليهم وقراباتهم وأصحابهم.

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) -جلَّ جلاله- فتحصل نتيجتها: (وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ)(يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو) -يتجاوز ويسمح ويسامح- (عَنِ السَّيِّئَاتِ) الذنوب التي ارتكبوها؛

  • والعفو قد يكون سببه التوبة. 

  • وقد يكون بمحض مِنَّةٍ من الحق. 

  • وقد يكون بشفاعة تنال أحدا من المذنبين فيعفو الله عنه. 

كما قال ﷺ: "أن الشهيد من قتل في سبيل الله ولا قصد له إلا أن تكون كلمة الله العليا"، "إن الشهيد يُشَفَّعُ -يوم القيامة- في سبعينَ من أهلِ بيتِهِ"؛ كلُّهم قد وجبت لهم النّار، أي: استحق دخول النار بذنوب، فسبعون هؤلاء كلما يحصل العفو عنهم بسبب هذا الشهيد.

إذًا فالعفو من الله -جل جلاله- قد يحصل بسبب التوبة، وقد يحصل بسبب الشفاعة، وقد يحصل ابتداء وتفضلا منه -جل جلاله وتعالى في علاه-.

ولمَّا قالت السيدة عائشة لنبينا ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَدْرَكْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: "قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي". فإذا عفا جلَّ جلاله غطَّى أثر الذنوب والسيئات حتى لا يبقى لها أثر، وهو كريم العفو -جلَّ جلاله- ..

  • وبكرم عفوه يُبَدِّلُ السيئات إلى حسنات،

  • وبكرم عفوه يُنسِي الجوارح والحفَظَة -الملائكة الكاتبين- والأرض الذنوب الذي عفا عنهم.. يُنسيهم فلا يذكرونه.

بل قال الإمام الشعراني -عليه رحمة الله-: إنَّ مَن أُكرِم بهذا العفو من الحق والتحقَّق بالتوبة في الدنيا بتَّةً؛ حتى أن العبد ينسى يجتهد يتذكر وربما لا يقدر يذكره.

وهكذا في القيامة إذا عَظُمَ عفوه سبحانه عن عبده: 

  • أنسى جوارحه وأنسى الأرض التي عمل عليها المعصية. 

  • وأنسى الملائكة الحفَظَة الذين كتبوا ذنوبه. 

لا أحد يذكرها، فإذا أراد أن يُريه فضله فيُذَكِّره بها وحده، يَنْشُر عليه كَنَفَه، فلا يدري أحد ما يقول له، يقول أتذكر يوم كذا؟ ويوم فعلت كذا؟ فيخاف ويقول له: ألم تعفو عني؟ يقول له: بلى قد عفوت عنك، ثم يكشف الكَنَف فيقول: أدخل الجنة برحمتي، فينُادي المَلَك: لقد سَعِد فلان ابن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا.

  • كُلُّ مكلف في القيامة يُنادى عليه بأحد الندائين:

    • إمَّا لقد سَعِدَ فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا.

    • وإمَّا لقد شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.

والنداء بعد العرض على الله، عندما يُعرَض على الله: "ما مِنكُم أحَدٌ إلّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تُرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ منه فلا يَرى إلّا ما قَدَّمَ مِن عَمَلِهِ، ويَنْظُرُ أشْأَمَ منه فلا يَرى إلّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بيْنَ يَدَيْهِ فلا يَرى إلّا النّارَ تِلْقاءَ وجْهِهِ، فاتَّقُوا النّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ"، ويقف بين يدي الله ويخاطبه ربه، ثم ..

  • إن كان من أهل السعادة يقول: قم فادخل الجنة برحمتي، فينادي الملك سَعِدَ فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا. 

  • وإن كان من أهل الشقاوة يقول: ادخل النار بعدلي، فيقول الملك: لقد شَقِيَ فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.

قال الله عن ذاك اليوم: (وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [هود:104-105].

اللهم اجعلنا من السعداء، وأهلينا، وجميع حاضر جمعنا، ومن يسمعنا ومن يتابعنا؛ اجعلنا من السعادة.

قال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) -له الحمد والمنة- (وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ)، ولذا وجدت خيار الخلق من الأنبياء وأتباعهم يتخلَّقون بهذه الأخلاق الربانية، ومن جاء معتذراً إليهم قبلوه، ومن أساء في حقهم عفوا عنه. وعفو أمثال هؤلاء الأنبياء والأصفياء والأولياء: 

  • عفو مع علم، وعفو مع قدرة. 

  • لا عفو عن شيء مجهول. 

  • ولا عن عدم قدرة على المؤاخذة. 

يقدرون على المؤاخذة ولكن يعفون لوجهه -جلَّ جلال-، ويرتقون شرف التخلُّق بالأخلاق الربانية.

  • (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) فمن كان كذلك؛ فهو قريب من الرحمن وقريب من أنبيائه. 

  • ومن كان لا يقبل عذر أحد ولا يعفو عن أحد أساء إليه؛ فهو بعيد من الله بعيد من أنبيائه وبعيد من أوليائه، وصفه غير الوصف الحميد.

ولذا جاء في الخبر: "من جاءه أخوه معتذراً لشيء بلغه عنه، مُتَنَصِّلًا فلم يقبل عذره، لم يرد عليه الحوض يوم القيامة"، اعتذر وجاء نادما، فما الذي تريد؟ قال: سامحني، قل: أنت سامحك الله. 

وجاء أيضًا في خبر رواه سيدنا الشافعي بإسناده يقول: "من قبل عذر أخيه إذا اعتذر إليه كفَّر الله عنه ألفي كبيرة".

إذا اعتذر الصديق إليك يوماً *** تجاوز عن مساويه الكبيرة

فإن  الشافعيَّ  روى  حديثاً *** بإسناد صحيح عن مغيرة

عن المختار أن الله يمحو *** بعذر واحد ألفي كبيرة

ألفين من الكبائر، نعمة كبيرة. فلنتصف بهذه الأوصاف وندخل على العشر الأواخر بكريم الوصف.

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25))، وفي قراءة أخرى: (وَيَعْلَمُ مَا يَفْعَلُونَ)، فهو يعفو عن علم، بل هو أدرى بسيئتك منك؛ ومع ذلك يعفو! وهو قادر على أن ينتقم منك ومع ذلك يعفو.

و إنما العفو عند المقدرة. وهكذا لمَّا تمكَّن ﷺ من كل الذين كانوا يؤذونه ويحاربونه ويقاتلونه من كفار قريش بفتح مكة، وقال: "ما تظنون أني فاعل بكم"؟ ونكَّسوا رؤوسهم، ورددها، وبعد الثالثة قالوا: خيرا، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم. 

وأين كذاب وساحر ومجنون؟ قدهم إلا… قال: اذهبوا فأنتم الطُّلقَاء. قال فقاموا فكأنما نُشِروا من قبور. ويقول قائلهم: ما طابت بهذا إلا نفس نبي ﷺ، فهو خير عَافٍ من الخلائق ﷺ، يعفو عن الذنب إذا كان في حقِّه وسَبَبِه فإذا وضع حق الله لم يقم أحد لغضبه ﷺ.

(وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) وأمَّا الذي ما يقدر أن يُصَلِّح شيئا ولا أن يردّ ولا أن يأخذ حقّه، وقال: عفونا عفونا، ما ندري إذا قدر أي شيء سيفعله؟ مثل هذا رجل رأى مملوكا له يغرق في الماء أشرف على الموت يقول له: أنت حُرْ أعتقناك أعتقناك، الآن وهو يغرق؟! يقول: عفونا؛ لأنه ما يقدر ينجو مسكين، لكن العفو عند المقدرة، هنا يتبيَّن العفو. والله يعلَم مَن هو الصادق في العفو ومن هو للعجز يقول: عفونا وسامحنا ولو تمكَّن يقع كلام ثاني بعدين..

قال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) في كل الأوقات، وفي بعضها يكون قبول التوبة أقوى، وفي كل الأماكن وفي بعضها أقوى، فإذا كانت في بيوته ومساجده أو في رمضان فالقبول أقوى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ): 

  • يستجيب لهم دعاءهم، ويلبي لهم نداءهم، ويستجيب لهم إذا طلبوه.

  • (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يستجيب لهم فيُنيلهم كل ما سألوا وكل ما طلبوا. 

(وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ) غير ما طلبوا وغير ما سألوا وغير ما خطر على بالهم. فهذه معاملته للذين آمنوا وعملوا الصالحات. فما أجلَّ مكسب الإيمان والعمل الصالح! ما أعظمه من متجر! ما أعظمه من خير وربح! إيمان وعمل صالح.

(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) -فيُعطيهم ما طلبوا وسألوا- (وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ) ما لم يسألوا وما لم يخطر على بالهم، فهذه معاملته تعالى. 

(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ)، والاستجابة بالنسبة للدعاء على أحد الثلاثة الأوجه -فالدَّاعون رابحون على كل حال-:

  1. إمَّا أن يُعَجَّل لهم ما سألوا ويَتحقَّق.

  2. وإما أن يُدفَع عنهم من البلاء بمقدار ما سألوا وأحسن لهم.

  3. وإمَّا أن يُدَّخر لهم درجات ومثوبات في الآخرة.

قالوا: وإذا دعا الله الإنسان بدعوات عديدة في أمر فاستُجيب له وعُجِّل؛ فيكون التعجيل لدعوة واحدة وبقية الدعوات تُدَّخَر له. فالداعي رابح، الداعي رابح! ادعُه مُتَذَلِّلا خاضعا وأنت رابح ومستفيد بيقين. 

ولا تفرض عقلك ومقدار مداركك ووعيك على حكمة الألوهية تقول: لماذا ما أعطانا كذا؟ ليه ما جاءني؟ وكم لي أدعوه بكذا؟ أنت تعرف أنك رابح ومستفيد ولكن تعجيل الإجابة شؤون تتعلَّق بحكمة الإله؛ وأين حكمة الإله من فهمك وعقلك؟!.

كما يأتي في الآية بعدها المعنى- والناس كلهم يدعون ببسط الرزق، قال: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا..(27)) سيكون حالهم غير الحال! فسبحان الله الحكيم (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) [الحجر:21].

(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..(26)) فالدعاء ربح وفائدة وفوز مهما صدر بعبودية وحضور مع الله -تبارك وتعالى- وتعظيم لهذا الإله واعتراف بالعجز والضعف، وبهذا قال الإمام الحداد:

فدعائي وابتهالي *** شَاهِدٌ  لي بافتقاري

فلهذا السِّرِّ أدعــو *** في يَسَارِي وعَسَاري

ورتَّب الله على الدعاء خيرات كثيرة، حتى قال ﷺ في خصوص منفعته التي لا يُفِيد غيرهم فيها، قال: "لا يَرُدُّ القضاءَ إلّا الدُّعاءُ"، ولا يرد القضاء: أي غير المبرم إلا الدعاء، "وإنَّ البلاءَ ليَنزِلُ فيَتلقّاهُ الدُّعاءُ فيَعتلِجانِ إلى يومِ القيامةِ"، ما عاد يصل إلى الأرض بسبب دعوة.

فالدعاء شاهد بافتقارنا إلى إلهنا واحتياجنا إليه وعبوديتنا له؛ وهذا شرف كبير لنا، وكرامة من الله أن يُعلِّمنا فقرنا إليه؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15].

(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ) والمعنى الثاني أيضا: قال (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستجيبون لنداء ربهم ولدعائه فيتمثلون لأوامره ويجتنبون نواهيه؛ فيزيدهم من فضله. هم يستجيبون، يستجيبون لنداء الله ولدعائه، فكلما استجابوا لندائه وأقاموا الفرائض زادهم معاني لها، وأسرارا وأذواقا فيها، وتوفيقا للنوافل والخيرات، ومحبة منه، (وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ).

(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ولمَّا سئل بعض الصالحين يقول له: كنَّا دعونا الله فلم يستجب لنا؟ قال: لأنه دعاكم فلم تستجيبون له! هو دعاكم ما استجبتم، تريدون تدعونه ويستجيب لكم! أول استجيبوا أنتم! ولذا قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) [البقرة:186]، أنا أستجيب لهم وهم ما يريدون يستجيبوا لي! وأنا ربهم وإلههم! أنت أحق أن تستجيب لنداء الله! (يا أيها الذين آمنوا) و (يا أيها الذين آمنوا) افعلوا، قولوا، اتركوا… فيجب نستجيب لنداء الحق فيُجيب نداءنا إذا ناديناه.

(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ) -وفي المقابل- (وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)) لا يستجيب الدعاء لهم ولا يوصلهم بإفضاله ولهم القطيعة والحجاب في الدنيا والعذاب والعقاب في الآخرة. ويقول الكفار في النار لخزنة جهنم: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [غافر:49-50]، ما يستجاب لهم؛ لأنهم ما استجابوا أصلا لدعاء الحق تعالى لمَّا دعاهم إلى الإيمان به وإلى توحيده وإلى اتباع رسله -صلوات الله وسلامه عليه-.

قال: (وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)) وظهور شدته والحِسُّ بها ولمسها من عند الغرغرة فما بعدها، وإن كانوا هم في عذاب شديد في الدنيا لكن ما يحسون به، كثير منهم ما يحسون به ولكن عند الغرغرة يذوقون ويلمسون ويحسون، شوفوا الشدة في انقطاعه وحجابه وبعده عن الرب وغضبه ويرى الشِّدَّة (وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ).

قال: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ) -وسَّع وكثَّر الرزق لعباده- (لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) لو جعلهم كلهم على أرزاق كثيرة سيتطاولون على بعض بعض كما ترى، وأكثر الذين يتحاربون لهم يتقاتلون على مظاهر الدنيا ووجاهتها، وهم حتى المُوَسَّع عليهم يتقاتلون ويقتلون بعضهم البعض.

(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا) بغوا: ظلموا، وبغوا: بطروا واستكبروا. وفي قارون وهامان عبرة، قال له قومه: (لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي) -بغى- (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا) [القصص:76-78]، وهلك بعد ذلك: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) [القصص:81]. 

(وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ) المفاتح حق الكنوز، أي مفاتح الخزائن التي فيها الكنوز، ليست الكنوز المفاتح، (لَتَنُوءُ) -تثقل- (بِالْعُصْبَةِ) خمسة رجال أقوياء أو أكثر تنوء بهم ما يقدرون يحملونها، لا يحملون الكنوز، وإنما يحملون المفاتيح! (مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ): عٌصبة خمسة أقوياء ما يقدرون يحملون المفاتيح حقَّ الكنوز. والناس في غفلاتهم وفي علمهم، أهل الغفلة (فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ) -خلوا الغرور بهذه المظاهر- (ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ)، بعد ذلك: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ)! وأين الذين كانوا بغوا مثله؟ تعالوا؛ خسف بعده في! شِلُّوا الكنوز واخسفوا خسف!! (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا) [القصص:76-83].

قال بعض الصحابة إن كنَّا نرى الأموال عند بني قريظة بن النضير تمنينا مثلها، فأنزل الآية:  (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ)، وفي قراءة: (وَلَٰكِن يُنزِل بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)) وإلا كلهم يقولون: هات المال وأنا سأكون طيب وأنا سأعطي وأنا و سأنفق وأنا أعطيه، وإذا جاء بعد ذلك.. (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ) [التوبة:75-77].

الكثير من الناس يقولون إذا جاء المال؛ سنساعد الناس ونفعل الخير، ونواصل الأرحام.. وكذا عندنا: مليون ومليونين؟ يجيء المليون والمليونان؛ العملة منهارة.. لو شيء كذا عملة ثانية أكثرمن مليون دولار أحسن سنقدر وسنعمل، جاء مليون دولار: الأمور متقلبة وما أنت داري كيف، لو شيء ثلاثة مليون دولار سنفعل، ولو ملك الدنيا كلها لا يفعل شيئا! لا إله إلا الله، ومن لم يعطِ من القليل لم يعطِ من الكثير.

ورضي الله عن الصنف الثاني: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر:9]. كم فرق بين هؤلاء وهؤلاء.

 قبل سنوات، كان مكتوبا في تقرير موت واحد من الأثرياء، كان مليونيرا، فطلع التقرير في سبب موته: ضعف التغذية! كان مُقَتِّرا على نفسه، يكَدِّس الفلوس وما يأكل إلا قليلا  إلى أن مات؛ شيء غريب وسيحاسب عليها، وأخذها غيره! لا إله إلا الله.

(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) ذا بالبخل، وذا بالبطر، وذا بالكبر، وذا بالظلم: "لَوْ كانَ لِابْنِ آدَمَ وادِيانِ مِن ذهب لابْتَغى لهما ثالِثًا، ولا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ على مَن تابَ".

 ولكن العُقلاء أرباب الوعي..

يرقُب مَلِك من الملوك رجلا فقيرا جاء إلى عند تحت شجرة ومعه ماء، وفتح الكيس وخرَّج له كسرة، ويأكل الكسرة بالماء وينشد يغني فرحان وينام. فأرسل إليه بعض الجنود قال: ذاك الذي تحت الشجرة هذيك -ويرقبه من القطرة حقه- إذا استيقظ هاته. فاستيقظ وجاء إلى عنده، دخل على الملك، قال له: كيف حالك؟ قال له: الحمد لله. قال له: تنام تحت الشجرة؟! قال له: الحمد لله ما عندي شيء. قال: إيش كنت تأكل؟ قال له: كِسْرَة من الخبز وماء. قال له: وماذا كنت تغني؟ قال: كنت أقول:

ماءٌ وخبزٌ وظِلُّ هذا النعيم الأجَلُّ *** جَحَدتُ نِعمةَ ربي إنْ قلت أني مُقِلُّ

قال: أنا جاحد بالنعمة إن قلت إني مقل، ماء وخبز وظل وراحة! قال له: أنا ملك وعندي الأموال ولا يجينا النوم إلا بتعب وأنا على السرير وأنت تحت الشجرة تنام. دخَّلوا إلى الملك ماءا ليشرب، قال: يا حضرة الملك لو حِيل بينك وبين هذه الشَّرْبَة إلا بنصف مُلكك أكنت تُعطيه؟ قال: لو وقع ذلك كيف أعمل؟ لابد.. أموت ظمأ! لا سأُسلِّم نصف المُلك. قال: فلو شربت هذا الماء وتعسَّر عليك إخراج البول إلا بنصف المُلك الثاني، أكنت تُسَلِّمه؟. قال: وإذا لم يكن إلا ذلك كيف أفعل؟ أموت بمرضي وإلا سأُسَلِّم النصف الثاني. قال فَاُفٍّ لدنيا لا تساوي شَرْبَة وبَوْلَة! لو كان ابتلاك الله بشِرْبَة وبَوْلَة بيروح المُلك حقَّك هذا كله! فماذا معك من ملك؟ اعتبر المَلِك وادَّكَر ورجع يسلك طريق الرجال هذا، لا إله إلا الله.

(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)) ولَّا هم كلهم ويقولوا نحن بنعمر ونحن بغينا بنصلِّح في الخير؛ قال: أنا أعرف بكم منكم، كثير منكم سيطغى، الكثير منكم سيبغي، الكثير منكم سينحرف عن الطريق؛ ولهذا يكون البغي من أهل الثروات أكثر، ولله الأمر من قبل ومن بعد الله.

(اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ(19))، فمنهم من يُرزَق رزقا يُبارك له فيه لا يلهيه ولا يُطغيه ولا يُنسيه ولا يضيع بسببه فرض ولا سنة ولا مندوب ولا مستحب ولا جماعة ولا تكبيرة إحرام مع الإمام، ويُنفقه في مرضات الله، وذهابه عنده كبقائه سواء؛ هؤلاء قوم اُصطُفُوا واجتُبُوا ولا تضرهم الدنيا جاءت أو ذهبت هم في الدرجات العُلا وهم خيار الملأ. 

وآخرون وراءها وراءها ووراء تعظيمها ويتعبون، قال الإمام الحداد: فرجعت معهم مثل البقرة؛ إن جاءوا من أمامها نطحتهم، وإن جاءوا من ورائها رمَّحتهم وهم ما يكِلِّون..وراءها، تنطيح وترميح ووراها! كم قد جرَّحت فيهم! وكم قد قتلت! وهم وراءها! فجاء بعده بعض العلماء قال: وأنبتت في جوانبها شَوْكًا! عاده من قدامه ووراءه، قال: عاده الجوانب نبَّتت شوكا فيها في وقتنا هذا!! ولكنهم قفاها هو والشوك وهذا القصد بغى! لا إله إلا الله.

يقول: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)) ويستقيم الأكياس: 

  • أنهم لا ضجر لهم عند الفقر ولا عند الشدائد، ولا جزع ولا سخط ولا تبرم. 

  • ولا عند المسَّرات ومواتات الأسباب وبسط الرزق؛ ما لهم بطَر ولا كِبر ولا غرور ولا انقطاع عن الحق ولا التفات إليها. 

ومضى خيار الأمة على مثل هذا الوصف:

فقيرهم حُرٌّ وذو المال مُنفِقٌ *** رجاء ثواب الله في صالح السُّبْلِ

لقد رفضوا الدنيا الغرور وما *** سعـوا لها والذي ياتي يُبَادَرُ بالبَذْلِ

فقيرهم حُرٌّ وذو المال مُنفِقٌ *** رجاء ثواب الله في صالح السُّبْلِ

لباسهم التقوى وسيماهم الحياء *** وقصدهم الرحمن في القول والفعل

ومع ذلك فمن عامة الناس: 

  • من لا يصلح له إلا الفقر؛ فإن اغتنى بطر. 

  • ومنهم من لا يصلح له إلا الغنى؛ وإذا افتقر كفر. 

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ)  -طرف ما له التمكن في الإيمان ولا في التقوى ولا في المعرفة- (فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖوَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحج:11]. إن في شيء من عافية وصحة وفلوس: هذا تمام ما شاء الله، هذا الدين طيب، وغي ذلك يرجع -والعياذ بالله- يكفر، حتى لمَّا سَمِع بعضهم يقولون: كاد الفقر أن يكون كفرًا، قالوا: قدُه عند بعض الناس كفر، بالكاد هذا يقين كفر! يتبرّمون ويجزعون ويسخطون ويعترضون على الله -ونعوذ بالله من غضب الله-.

 وجعل الله الدنيا دار اختبار: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) [الحج:11]؛ بحكمة من الحكيم، وذا يَعتَلِي وذا يَسقُط وذا يَسْعَد وذا يشقى؛ بحسب قلوبهم وأحوالهم.

فنسأل الله صحة في تقوى، وطول عمر في حسن عمل، وأرزاق واسعة بلا عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

يا من يبسط رزقه لمن يشاء ويختبر عباده: اجعلنا اللهم ممن تُوسِّع أرزاقهم الحسية والمعنوية، ابسط لنا في رزق العلم والمعرفة، ابسط لنا في رزق الإيمان واليقين، ابسط لنا في رزق المحبة، وابسط لنا في رزق الرضوان الأكبر، وابسط لنا في رزق الوجهة الصادقة إليك والإقبال عليك، وابسط لنا في كل ما ينفعنا في ديننا ودنيانا وأخرانا، يا أرحم الراحمين، في لطف وعافية..

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد ﷺ

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه

 الفاتحة

 

تاريخ النشر الهجري

21 رَمضان 1446

تاريخ النشر الميلادي

20 مارس 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام