أسرار الحج -1- بيت الله الحرام: منارة العارفين وقبلة المشتاقين (قبس النور المبين)

أسرار الحج -1- بيت الله الحرام: منارة العارفين وقبلة المشتاقين:

فوائد من درس قبس النور المبين من إحياء علوم الدين، للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ..

 

 يقول الإمام الغزالي في كتاب أسرار الحج -الكتاب السابع من ربع العبادات-: "الحمد لله الذي جعل البيت العتيق مثابةً للناس وأمناً، وجعل زيارتهِ حجاباً بين العبد وبين العذاب ومِجَنّاً"؛

جعله الله البيت العتيق الذي يعتق من طاف به ومن حَجَّهُ؛ من النار ومن العذاب ومن السخط ومن أنواع البلايا، وهو العتيق؛ القديم (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ).

فضائل التوجه للكعبة وآداب القِبلة:

أنزل الله فيه: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)، فهي القبلة لأهل المِلّة، واستقبالها علامة الإيمان والإسلام، وقد فطر الله قلب حبيبه على محبّة هذا البيت، وكان يُحِب أن يُوجَّهَ إليه لأجل الصلاة.

عَظُم شأن الكعبة عند ذوي المعرفة على قدر معرفتهم وإيمانهم، فلذا حَذِروا من أن يبصقوا إلى جِهَتها مُتعمّدين أو يسيئوا الأدب، وجاءهم الشرع المَصون: "لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا" بالنسبة لأهل المدينة لأن القبلة جهة الجنوب لهم.

كان ﷺ كثيراً إذا أراد أن يدعو توجّه نحو الكعبة يدعو الله تبارك وتعالى.

بين وجد المؤمنين وحظ الغافلين:

عُلِم أن الكعبة رمز من الرموز ومعنى شريف من المعاني، يتناغم مع وجد المؤمنين في المحبة والشوق إلى الرب جل جلاله، لأنّ غاية مداركهم وما يصلون إليه محدود في هذا العالم، ووعدهم الله بالتجلِّي في عالم الآخرة برفع ذاك الحجاب، ووقوع أهل العذاب فيه؛ (كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ)، فأفاد أنّ قوماً غير محجوبين.

لا نهاية للمعرفة بالله تعالى ولا للقُرب منه ولا لحيازة رضوانه، ولا نهاية لمحبته كذلك، ويزدادون منها كلما قربوا وحصل التجلِّي لهم أكثر.

وكان حظ كثير من الغافلين من المؤمنين مُجرّد رؤية حجرها ومظهرها الحِسّي واللباس الذي عليها.. ووقفوا هناك؛ ولا علموا حقيقة ما نَصَبَ الله له هذا البيت.

تغزُّل العارفين بالكعبة المشرفة:

في تغزُّل الإمام الحداد بالكعبة المشرفة، يقول في قصيدته التي مطلعها:

لك الخير حدِّثني بظبية عامر ** وما حالها من بعدنا يا مُسامرِ

وروِّح فؤاداً ذاب من حر بُعدها ** بتذكارها إن كنت يوماً مُذاكري

فإن أحاديث الأحبة مرهمٌ ** لقلبي من الداء العضال المُخامرِ

يقول مشيراً إلى الكعبة: 

رعى الله مَن هام الفؤاد بِحُبِّها ** بديعةَ حُسنٍ مُخجلٍ للزواهرِ

عزيزةَ وصفٍ حارَ فيه أولي النُّهى ** من العارفين أهل الهدى والبصائرِ

به هامتِ الأرواحُ في حالِ كونها ** مُجرّدةً عن كل جسمٍ وحاصِرِ

حول الحجر الأسود والملتزم:

إلى الحَجَر الميمون زاد تشوُّقي ** وكان به أنس الفؤاد المُجاورِ

به العهدُ والميثاقُ يشهد بالوفاء ** لِكُلِّ وَفِيٍّ مُخلص القلب طاهرِ ؛

إن الله لما أخذ علينا العهد والميثاق وجمعنا بنعمان، أخرجنا من ظهر آدم، كل أرواحنا هذه أخرجها من ظهر آدم، وخاطبنا: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) وسجدوا، فكتب الكتاب وألقمه الحجر الأسود، فهو مستودع العهد والميثاق، ويشهد لمن استلمهُ بالمُوافاة.

ومُلتزَمٌ نُجحُ المطالب عنده **وحِجرٌ لبُعدي عنه فاضت محاجري..

ومُلتزَمٌ ؛ ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، لأنه ﷺ التزمه وألصق صدره الشريف به، ورفع رأسه ويديه يدعو الله تعالى وبكى، وبعد أن انتهى من دعائه التفت وإذا سيدنا عمر وراءه وقال: "يا عمر ها هنا تُسكب العبرات".

طلب بركة المكان والزمان:

الله يُوفِّر حظّنا من البيت الحرام ومن الأماكن المُشرفة المُطهرة المباركة، ولا يجعل مكاناً في الأرض والسماء إلا وسرت لنا من سر تسخيره - سبحانه وتعالى - لنا منه عناية وهداية ورعاية وتنويراً وتطهيراً، قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ).

اللهم بارك لنا في أزمنتنا وأمكنتنا، وأعِدْ علينا عوائد كل زمان مبارك وكل مكان مبارك، وضاعِف لنا الخيرات، اللهم لا تحرِمنا خير ما عندك لشر ما عندنا، ومُنَّ علينا بالصلاح والفلاح والنجاح والفوز والسعادة الكبرى في الدنيا والأخرى.

___

لمشاهدة الدرس كاملاً:

https://youtube.com/live/vFYnfFpi2V0

#الحبيب_عمر_بن_حفيظ #الحج #الكعبة #مكة #عاجل #إحياء_علوم_الدين #الإحياء #تريم #habibumar #habibumarbinhafidz #tarim 

تاريخ النشر الهجري

09 ذو القِعدة 1446

تاريخ النشر الميلادي

06 مايو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية